لن نأتي بجديد إن قلنا إننا نحن الفلسطينيين المتضررون الأساسيون من صفقة القرن، لأسباب تبدأ ولا تنتهي، تحدثت عنها هذه السطور في مقالات سابقة، لكن أن يأتي هذا الإقرار من أوساط إسرائيلية، فسيكون له مذاق آخر، وتأكيد جديد على صوابية الموقف برفضها كلياً.
العديد من القراءات الإسرائيلية "الموضوعية" ترى أن صفقة القرن تضر بالدرجة الأولى بالفلسطينيين؛ أعلنت في الوقت الذي يصارع فيه بنيامين نتنياهو على بقاء حياته السياسية، في حين كان يواجه دونالد ترامب إجراءات الإطاحة به، وبالتالي فإنها صفقة جاءت خصيصا لخدمة مصالحهما السياسية والحزبية، ما يمنحها أحقية أن نصفها بأنها "مولود الخطيئة".
وبينما أعلنت الصفقة قبل شهر واحد فقط من إجراء الانتخابات الإسرائيلية، فإن الجانب الفلسطيني هو المتضرر الأساس منها؛ لأنها عملت على توفير العديد من الاحتياطات الجغرافية والأمنية والسياسية لـ(إسرائيل)، في حين أن المهرجان الذي شهده البيت الأبيض لإعلان الصفقة تم دون تنسيق مع الفلسطينيين، أو التشاور معهم، ما جعل (إسرائيل) تخرج منه وهي تتظاهر بالانتصار.
بات واضحا من وجهات نظر إسرائيلية عديدة أن نتنياهو تلقى بإعلان صفقة القرن هدية مجانية كبيرة لحملته الانتخابية، في حين تظهر بعض أحزاب اليمين الإسرائيلي معارضة قوية لإقامة دولة فلسطينية كما جاء في الصفقة، رغم أن أمامنا وقتا طويلا لإقامتها، في حال تم ذلك من الأساس.
كما أن فلسطينيي 48 ظهروا متضررين من الصفقة، لأنها تتضمن تصريحا أو تلميحا لإعادة ترسيم حدود (إسرائيل)، ما قد يتسبب بتمزيق أوصالهم الاجتماعية والعائلية من خلال ضمهم إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية، وخرجت مظاهرات شعبية عربية تحمل علم فلسطين.
أكثر من ذلك فإن بند ضم غور الأردن، الذي تتضمنه صفقة القرن بصورة غير مباشرة، كفيل بتعريض اتفاق السلام الإسرائيلي مع المملكة للخطر، واستقرارها، ولعله يهدد الحزام الأمني الحالي للجبهة الشرقية لـ(إسرائيل)، كل ذلك، وفقا للرؤية الإسرائيلية، جعل من الطبيعي والمتوقع أن يرفض الفلسطينيون الصفقة، وإقناع أعضاء الجامعة العربية بإصدار موقف عربي رافض بالكلية.
من الأهمية بمكان ألا ننسى أن الصفقة تتحدث عن ضرورة نزع سلاح حماس في قطاع غزة، لكنها لم تتحدث كيف يتم ذلك، ما يجعل أول مهمة عاجلة للحكومة الإسرائيلية القادمة تكمن في إيجاد حل جذري وحقيقي للتهديد الذي تشكله حماس على الجبهة الجنوبية مع المستوطنات الإسرائيلية.
يبدو صعبا القفز في خضم الحديث عن تضرر الفلسطينيين من صفقة القرن، عن هوية الطاقم الذي يقف خلف إنجازها، وهم جيراد كوشنير وجيسون غرينبلات وديفيد فريدمان، هؤلاء ليسوا خبراء في القضية الفلسطينية أو النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، بل رأس مالهم أنهم قريبون من أوساط المستوطنين، وهذا وحده كفيل بإلقاء الصفقة حيث ألقاها مرزوق الغانم!