فلسطين أون لاين

الرضا بما قسم الله يرفع درجة المسلم ويريح باله

...
غزة - هدى الدلو

الرضا هو نعيم المؤمن من هموم الدنيا ومتاعبها، ففيه رضا بقضاء الله وما قسمه الله له، كنزٌ من كنوز النفس لما له من أثرٍ على راحة البال، بدلًا من العيش في حالة جذبٍ وسخطٍ وكدر وضيق مع النفس، فلا ينعم بما أعطاه الله، فالرضا عبادة قلبية تغيب عن الكثيرين.

يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ"، فالكثير من يجتهد في حياته الدنيا بحثًا عن الرزق ولكن قدر الله له الفقر المادي، لكن رضاه بما قسم له يجعل له مقامًا كبيرًا عند الله.

يقول د. زياد مقداد الأستاذ المشارك في الفقه وأصوله بكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية: "الرضا هو قبول لقدر الله وحكمه في السراء والضراء، لأن ما قسمه الله لك هو خير بغض النظر عما كانت شاكلته، يقول الإمام الحسين بن علي (رضي الله عنهما): "من اتكل على حسن اختيار الله (تعالى)؛ لم يتمن غير ما اختار الله له".

ويبين أنه ينبغي أن يكون المسلم على يقين بأن الله (سبحانه وتعالى) قسم الأرزاق بين العباد، وأن لا أحد يستطيع أن يأخذ زيادة عن رزقه حتى لو جرى في الأرض "جري الوحوش"، ولا يمكن أن ينقص رزق أحد، مهما كان جبروته، لأن الرزق يتكفل به الله للإنسان وهو في بطن أمه، فعنْ أبي عبدِ الرَّحمنِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ (رَضِي اللهُ عَنْهُ) قالَ: حدَّثنا رسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وهو الصَّادِقُ المصْدُوقُ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فيهِ الرُّوحَ، وَيُؤمَرُ بأرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيّ أوْ سَعِيد".

ويذكر د. مقداد قول ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ (عليه الصلاة والسلام) يَوْمًا فَقَالَ: "يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ".

ويبين أهمية أن يكون الإنسان قنوعًا وراضيًا بما قسمه الله له لما لذلك من حكمة بالغة ما لم يكن هناك تقصير، ولكن هذا لا ينفي أن يسعى الإنسان إلى رزقه، "السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة"، قد قالها عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، حينما صلى الناس الجمعة وجد جماعة في المسجد يقبعون جالسين في المسجد، الناس انتشروا وهؤلاء باقون، فسألهم: "من أنتم؟"، قالوا: "متوكلون على الله"، قال: "بل أنتم متأكِّلون لا متوكلون، قاعدين تتأكلون"، "لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ويقول: "اللهم ارزقني"، وقد علم أن "السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة"، إنما يرزق الله الناس بعضهم من بعض، أما سمعتم قول الله (تعالى): "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله"؟".

ويضيف د. مقداد: "وليس الرضا هو الاستسلام للواقع، بل يمكن تغييره بالسعي والأخذ بالأسباب كالتداوي من مرض أو السعي وراء الرزق أو دفع ضررٍ ما، لأن الاستسلام هو الانهزام وعدم بذل الجهد والأخذ بالأسباب لتحقيق الهدف".

ويشير إلى أن عدم الرضا نوع من أنواع السخط، ولذلك على الإنسان أن يسعى من أجل الرزق، لأن الفقر لا يستطيع تحمله الجميع، يقول علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): "لو كان الفقر رجلًا لقتلته"، ولكن إذا كان هناك إيمان بالقلب فإنه يصبر، ومن لا يستطيع فإنه من الواجب إزاحته وتضييق دائرته من طريق جهات متعددة.

ويلفت د. مقداد إلى أن رضا الإنسان بحاله، وبما قسم له من رزق يرفع درجته عند الله، ويزيد من إيمانه، ويحقق له الطمأنينة في الدنيا والآخرة، فحياة الإنسان لا ينبغي أن يكون الهدف منها جمع المال، لأن طبيعة الحياة تمر بفترات غنى وفقر، فعليه في الأولى أن يشكر الله، وفي الثانية أن يصبر ويقتنع، ويسعى بالحال إلى نيل ما قسم الله له.