أكدت سلسلة المواجهات والعمليات الفلسطينية في الساعات الأخيرة التي شهدتها القدس والضفة الغربية المحتلتان، المخاوف التي دأبت على إطلاقها المنظومة الأمنية الإسرائيلية عقب إعلان صفقة القرن، حين وصفت الساحة الفلسطينية بأنها تشبه "الجني في القمقم"، ويخشون أن ينفلت منه.
يعتقد كبار ضباط الأمن الإسرائيلي أنه في حال قدر للموجة الحالية من الغضب الفلسطيني أن تنطلق غضبا على إعلان الصفقة، فقد تستغرق بين 3-5 سنوات حتى يعود ذلك "الجني الفلسطيني" إلى مكانه الطبيعي، لكن المشكلة أنه لا أحد في إسرائيل يعلم متى ينفلت هذا الجني من قمقمه، ولماذا بالضبط.
هذا السبب الذي جعل جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية- أمان يوجه تحذيرا للمستوى السياسي الإسرائيلي بإمكانية حدوث تحول خطير مفاجئ في الساحة الفلسطينية، علماً بأن هذا التحذير صدر قبل إعلان صفقة القرن، واليوم بعد إعلانها، وتنفيذ سلسلة هجمات فلسطينية، فقد بات هذا التحذير يحظى بأهمية مضاعفة.
يزداد التخوف الإسرائيلي من انفجار الأوضاع في الضفة الغربية، رغم الهدوء الأمني الذي تشهده الضفة الغربية بصورة نسبية في السنوات الأخيرة، لكن الاحتكاك الدائم بين ملايين الفلسطينيين ومئات آلاف المستوطنين في الضفة الغربية قد يسفر عن العديد من نقاط التوتر والاشتعال الميداني.
سلسلة الهجمات الفلسطينية، سواء على شكل عمليات منفردة أو منظمة أو هبات شعبية، إذا اندلعت عجلتها من جديد، فلن تكون كالانتفاضة الثانية، فليس في الضفة اليوم بنى تحتية عسكرية قادرة على تنفيذ عمليات فدائية كبيرة، لأن الجهود الإسرائيلية، الأمنية والعسكرية، تحافظ على أن تبقى أي هجمات مسلحة على نار هادئة، وبوتيرة منخفضة، ولذلك يمكن تفسير العدد القليل للقتلى الإسرائيليين من عمليات 2019 الذي لم يتجاوز الخمسة.
المشكلة التي تواجه الجيش الإسرائيلي تتمثل بأن يخرج الشعب الفلسطيني إلى الشوارع في الضفة الغربية، عفوية أو منظمة، وخوضه لاشتباكات ومواجهات مع الجيش الإسرائيلي، ويؤدي ذلك لوقوع خسائر بشرية، مما سيسفر عن مزيد من المواجهات، وفي هذه الحالة سيضطر الجيش أن يزيد من عديد قواته الميدانية.
في مرحلة ما قبل إعلان الصفقة تنتشر في الضفة الغربية عشرون كتيبة للجيش الإسرائيلي، وفي أيام الذروة الأمنية تعمل أربعون كتيبة، وأي اشتغال في الوضع الميداني بالضفة الغربية يتطلب ضخ المزيد من القوات، وقليل من التدريبات، وربما الاضطرار لتجنيد جيش الاحتياط، وما يتبع ذلك من تبعات اقتصادية ومالية.
ولذلك فإن أي هبة شعبية فلسطينية بالضفة قد يكون عدد مظاهراتها كبيرا بين الجماهير الفلسطينية، وإن كان ذلك بحاجة لعمليات تثوير داخلية، رغم أن أضرارها على صعيد الخسائر الإسرائيلية قد يكون محدودا، لكن أي هجمات مسلحة ضد الإسرائيليين، قد تعني انقلاب المشهد كليا في الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية.