فلسطين أون لاين

أمريكا دمجت مقترحات إسرائيلية عديدة بخطة واحدة

"صفقة القرن".. فلسطين بلا حدود ومدن محاصرة و42% مساحة ضائعة

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

جاءت الخريطة التي عرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مؤتمر الإعلان عن صفقة القرن مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وفق مراقبين، انعكاسا لعدة مقترحات تحدثت عنها أكثر من جهة إسرائيلية كمجالس مستوطنات وحكومات ووزراء إسرائيليين سابقين، قامت أمريكا بدورها بدمج الأفكار السابقة بخطة واحدة.

الخريطة التي حددت بدقة ما يريده الاحتلال تقسم المدن الفلسطينية بالضفة الغربية إلى جزر محاصرة غارقة في بحر المطامع الإسرائيلية ، فالخارطة التي تعطي الاحتلال نحو 42% من مساحة الضفة،  تجعله يضع يده على المفاصل الحيوية من موارد طبيعية وزراعية ومصادر مياه وثروات، كذلك يسيطر الاحتلال على كل الأراضي التي تمر بها الطرق الرابطة بين المدن الفلسطينية المعزولة، ما يجعل إمكانية طلب الاحتلال من الفلسطينيين الحصول على تصاريح أمرا واردًا.

ترامب نشر على حسابه في "تويتر" خريطة قال إنها ستكون لـ"الدولة الفلسطينية المستقبلية".

وظهر في الخريطة مساحات خضراء متفرقة، للضفة الغربية وقطاع غزة، ومساحات أخرى على بعد أميال جنوب القطاع‘ أحدهما سكاني وزراعي والآخر تمثل منطقة صناعية وتصنيع باستخدام التكنولوجيا المتطورة، فيما ظهرت نقاط بنيّة اللون وهي تمثل 15 تجمعًا استيطانيًا تنتشر بين مدن الضفة الغربية.

كما لوحظ وجود نفقٍ أو جسر يمتد من شرق القطاع وصولاً إلى غرب الخليل.

على أرض الواقع، تؤيد بشكل مباشر احتفاظ (إسرائيل) بمنطقة العزل الشرقية التي تضم منطقة الأغوار والأراضي المحاذية للبحر الميت، لكن الأخطر أن الخارطة تؤيد سيطرة الاحتلال على الأراضي المعزولة خلف جدار الفصل العنصري، وفق مدير وحدة الاستيطان في معهد أريج سهيل خليلية.

أمور غير واضحة

وبين خليلية لصحيفة "فلسطين" أن مساحة الأراضي ما بين الجدار والخطر الأخضر تشكل 12.5% من مساحة الضفة بما فيها شرقي القدس، بالتالي ستكون المساحة الإجمالية التي  سيسيطر عليها الاحتلال نحو 40-42% من مساحة الضفة وفق الخريطة، مع وجود الكثير من الأمور غير الواضحة.

ولم يتم الحديث، وفق خليلية، عن الموارد الطبيعية مما يجعل الاحتلال يحتفظ بالأراضي الزراعية الغنية بمصادر المياه التي تشكل جزءًا من الحياة للمستقبل، مبينا أن الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها ليس لها حدود ولا مدخل أو مخرج خاص، مما يعني نقصان سيادة وتبعية اقتصادية واضحة وممنهجة للاحتلال، بالتالي لن يكون بإمكان الفلسطينيين وضع قوانين.

ولفت إلى أن الخارطة تقسم المدن الفلسطينية بالضفة إلى كنتونات معزولة، ولم تذكر أن الوصول ما بين المحافظات سيكون من خلال أنفاق أو جسور أو طرق عادية، مردفا: "قد يصل بنا المطاف بأن يطلب منا تصاريح للعبور من محافظة لأخرى، لأن مناطق الطرق لن تكون تابعة للسيادة الفلسطينيين، كما أنها لم توضح طبيعة الطريق الذي سيربط غزة والضفة إن كان من خلال جسر أم نفق".

بالتالي تصبح مساحة إجمالي ما يسيطر عليه الاحتلال، تحت ما يسمى بأراضي "دولة" ومستوطنات وقواعد عسكرية ومحميات طبيعية وبؤر استيطانية - بحسب خليلية - 2400 كيلو متر مربع فرضها أمر واقع حتى قبل الخريطة ويبحث عن شرعنة ذلك وكأنه اتفاق تسوية من خلال الصفقة

وبين أن الصفقة وفق ما جاء بالخريطة تعطي للفلسطينيين مساحة إضافية بمنطقة "ج"، وكأن المنطقة تابعة للاحتلال أصلا، لكن كل ذلك مشروط بمدى التزام الفلسطينيين ببنود الاتفاقية، رغم أنها بنود تعجيزية مرفوضة فلسطينيا رفضا كاملا.

ووصف خليلية ما عرض من مغريات ببنود الصفقة بأنها "إغراءات خادعة" ومجوهرات كاذبة، مبينا أن 50 مليار دولار التي تحدثت عنها الصفقة موزعة على أكثر من دولة في المنطقة، وأن جزءًا من الأموال التي ستصل للفلسطينيين على شكل قروض ستصل لقطاعات معينة من الشعب الفلسطيني على شكل قروض، ولن يكون لها انعكاس حقيقي على أرض الواقع من عامة الشعب.

واستدرك قائلاً: "قد نشهد حلقة ثانية مما حدث مع الفلسطينيين بعد اتفاق "أوسلو"، فبعد أن كان مفترضا على الإسرائيليين الانسحاب من أجزاء كبيرة من الضفة من ثم تبدأ مفاوضات الحل النهائي، إلا أن الاحتلال تنصل من الاتفاقية".

تحديد دقيق

لم تكن الرسومات والخطوط على الخريطة من فراغ، وفق خليلية، بل حدد الاحتلال بدقة كل الأراضي والمناطق التي يريد السيطرة عليها من الضفة وهو فعليا يسيطر على معظمها على الأرض، فيما تعطي للسلطة أشبه بالحكم الذاتي لديها تواصل جغرافي من خلال مناطق يسيطر عليها الاحتلال، بالتالي ستكون المدن الفلسطينية محاصرة وليس لها أي منفذ للعالم.

يعتقد خليلية أنه اذا وافق الفلسطينيون على الصفقة فإنهم سيعيشون حصارًا طوعيًا يضعون أنفسهم به، وتساءل عن فترة تنفيذ الصفقة لمدة أربع سنوات، ومصير قضية اللاجئين والعودة.

عمليا اتخذ الاحتلال إجراءات على أرض الواقع سبقت إعلان صفقة القرن وفرضت أمرا واقعا على الأرض بالضفة من خلال مسارين حددهما المختص في الشأن الإسرائيلي عبد اللطيف الحصري، من خلال التغيير الديمغرافي وإدخال أكثر من 700 ألف مستوطن غير شرعي.

وقال الحصري لصحيفة "فلسطين": إن المسار الثاني هو التصعيد السياسي بمعنى تشريع قانون القومية، الذي كان مقدمة ضرورية للصفقة وينص على حق تقرير المصير على كل فلسطين التاريخية بالشعب اليهودي، مبينا أن  القانون بنى نظام أبرتهايد على الأرض وخلق واقعا ديمغرافيا مشوها بالمستوطنين.

وأشار إلى أن الاحتلال عمل على  تكثيف الاستيطان في السنوات الأخيرة وبناء المستوطنات لخلق هذا الواقع، فكانت الهجمة على القدس التي تحولت إلى بؤرة استيطانية أخرى يوجد فيها أكثر من 300 ألف مستوطن، حتى اصبحت الأحياء العربية في شرقي  القدس مناطق كنتونات معزولة عن بعضها وغير صالحة للحياة.

توقيت إعلان الصفقة جاء ، وفق الحصري، لخدمة نتنياهو وترامب، فالأول يخضع لملفات فساد وكان مقررا أمس أن يناقش كنيست الاحتلال موضوع حصانة نتنياهو، بالتالي جاء الإعلان عن الصفقة لحرف الأنظار عن موضوع الحصانة وملفات الفساد.

 فيما يواجه ترامب مصيرا مشابها كون واقع تحت طائلة الإطاحة به، بعد فشله بالملف النووي الإيراني والكوري الشمالي، فوجد القضية الفلسطينية الحلقة الأضعف لاستقطاب اللوبي الصهيوني في الحزب الجمهوري لدعمه وتجييش الصوت اليهودي لصالحه.