تتوافق الآراء الإسرائيلية على أن إعلان صفقة القرن قد يحول حالة الغضب الفلسطينية عنفا ميدانيا على الأرض، صحيح أن الفلسطينيين لا يتحدثون بمفردات الانتفاضة الجديدة، لكن كلما زاد مستوى إحباطهم من الصفقة فإن دافعيتهم لتنفيذ العمليات المسلحة سيزداد، وستأخذ الحالة أبعادا متنامية، كلما ذهبت (إسرائيل) لضم المستوطنات.
في الوقت ذاته، فإن تسارع دعوات اليمين الإسرائيلي لترجمة مبادئ الصفقة بصورة فورية لسلوك على الأرض من خلال ضم المستوطنات، وفي المقابل تنامي الغضب الفلسطيني والإحباط في أوساط السلطة الفلسطينية قد لا يعطي الإسرائيليين بشائر طيبة.
ليس جديدا أن هناك تناسبا طرديا بين تنامي الشعور بالغضب من جهة، وزيادة معدل الهجمات الفلسطينية من جهة أخرى، هذه معادلة لا يختلف عليها اثنان في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، بل إن نسبة لا بأس بها من الإسرائيليين يرون اليوم في حالة صفقة القرن، أن ترامب يظهر كما لو أنه يعقد صفقات بطريقة ضارة، يواصل ضغوطه على الجانب الفلسطيني دون أن يعطيه مقابلا، هذا يعبر عن نقص في فهم الصورة الكاملة للصراع القائم.
أكثر من ذلك فإنه حين يتم العمل على عملية سياسية معقدة كالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن إهانة الفلسطينيين أمر ضار، وليس مفيدا، الكرامة الوطنية لها دور كبير بإدارة الصراع، ولذلك جاء حديث ترامب عن تقليص مساعداته للفلسطينيين، وحين يقبلون بالصفقة، ستعاد إليهم، ما يؤكد أن الحياة لن تمر بسهولة على (إسرائيل)، إن ضمت مناطق فلسطينية بصورة أحادية الجانب.
في المشهد الآخر من الصورة، ومقابل اللقاءات الاحتفالية لترامب مع بنيامين نتنياهو وبيني غانتس في البيت الأبيض، دعت الفصائل الفلسطينية لتظاهرات شعبية عارمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأعلنت الهيئة الوطنية لمسيرات العودة عن تجدد محتمل لها قريبا، وهذه الدعوات تعدها (إسرائيل) ضوءا أخضر لاستئناف التصعيد.
نقطة أخرى قد تنشأ عقب إعلان الصفقة اليوم تتعلق بإمكانية وحدة قطاع غزة مع الضفة الغربية، رغم أن الوضع القائم لهما من انقسام يريح (إسرائيل) كثيرا، لكن الغريب أن صفقة ترامب تعد السلطة الفلسطينية إشكالية، ويجب عليها القبول بالصفقة، لكنها في المقابل تتجاهل حماس والجهاد الإسلامي، ولا تراهما قائمتين، رغم أن لديهما من التأثير الكبير على كل ما يحصل في الساحة الفلسطينية.
أخيرا.. لئن كانت صفقة القرن غير قابلة للتطبيق، أو ليست واقعية فقط، بل تضر كثيرا بالمصالح الإسرائيلية، صحيح أن المنظومة الأمنية الإسرائيلية لن تفسد فرحة السياسيين بالصفقة، وعدها حدثا تاريخيا، وتحقيقا لحلم، وأتت على طبق من ذهب، وكل هذه الشعارات، لكن في اللحظة التي يترجم فيها الفلسطينيون غضبهم لعمليات وهجمات ضد (إسرائيل) فإن أحدا من كبار ضباط الأمن الإسرائيليين لن يتفاجأ!