بين حين وآخر نطالع اعترافا إسرائيليًا بعدم أهلية الجيش لخوض مواجهة عسكرية قادمة، ولعل ما يكسب هذه الاعترافات أهميتها، ويعطيها الخطورة اللازمة، أنها صادرة عن جنرالات ثقيلي العيار، ممن يعلمون دقائق الأمور في الجيش، وتفاصيل الإخفافات العملياتية التي يواجهها الجيش الذي كان لا يقهر!
آخر هذه الاعترافات جاءت على لسان بيني عميدرور الخبير العسكري الإسرائيلي، والقائد السابق للعقيدة القتالية، ومدرب القادة في الجيش الإسرائيلي، حين أعلن دون تردد أن "مقاتلي حماس وحزب الله أكثر كفاءة من جنودنا"، وهذا اعتراف غير مسبوق ضد الجيش الإسرائيلي، ينبغي أن يقلق جميع الإسرائيليين.
يبرر هذا الجنرال المخضرم اعترافه هذا بالقول: إن مقاتلي هاتين المنظمتين أكثر احترافية من مقاتلينا، خاصة في مجالات التدريبات، فهم أكبر سنا، ويخدمون فترة زمنية أطول من جنودنا، ويجرون مناورات أكثر مما لدينا، في حين ينشغل الجنود الإسرائيليون بمهام شرطية في المناطق الفلسطينية أكثر منها عسكرية، ولم يعودوا مستعدين للمخاطرة بحياتهم.
في قراءة لدلالات هذا الاعتراف يمكن العودة إلى حرب غزة الأخيرة 2014، التي تعتبر الأكثر ازدراء في تاريخ الجيش الإسرائيلي، فقد استنفر الجيش جميع مكوناته النظامية، وعشر فرق، فضلا عن لواء كافير، للقيام بمهمة واحدة، وهي القضاء على القذائف الصاروخية من غزة، وفي النهاية لم يتم معالجة هذا التهديد، وخلال العملية تم استبدال الهدف بالقضاء على الأنفاق.
خلال 50 يومًا من تلك الحرب الدامية، دخل المسلحون الفلسطينيون مئات الأمتار داخل حدود فلسطين المحتلة، ثم عادوا لغزة، ثم كرروا التسلل، وجاء النموذج الأكثر تعبيرًا عن فشل الجرف الصامد هي معركة الشجاعية، حيث ذهب الجنود دون حماية كافية، جنود يقتلون داخل ناقلة جند، وفيما سارت الدبابات إلى الأمام، لكن ناقلة الجند بقيت عالقة أمام البيت المفخخ، وظلت تتلقى قذائف الآر بي جي.
وفق الإحصائيات المعلنة، فقد الجيش خلال حرب غزة 68 جنديا، حتى أنه يمكن تشبيه أداء المقاومة الفلسطينية خلال تلك الحرب بـ"لدغات القناص"، وطالما سقط لدينا جنود في حرب غزة، فهذا فشل ذريع لقادة الجيش ووزير الحرب، لأن الهدف كان الحيلولة دون وقوع خسائر بشرية في صفوف الجيش، وأي مقارنة بين حروب إسرائيل السابقة، وحرب الجرف الصامد 2014، تعطينا استنتاجا بأن مستوى تأهيل الجيش في تراجع!
خطورة تلك الاعترافات الإسرائيلية تتمثل في أن الجيش والمجتمع الإسرائيليين فقدا الروح القتالية، وهي أول مكون في العقيدة العسكرية، في حروب سابقة منذ العام 1948 حقق الإسرائيليون "انتصاراتهم"، بجانب الإمكانيات اللوجستية بسبب تلك الروح، لم يحسبون حسابا كثيرا للخسائر البشرية، ولكن في الحروب التالية بدأت الحسابات تزداد لهذه الخسائر بسبب أخطاء القادة، وإخفاقاتهم غير المهنية، ولذلك تحول الجيش الإسرائيلي إلى جيش راكد، وهذه مسئولية القيادة العليا.