يجمع علماء الأمة على أن مبدأ الشريعة الأعظم يقوم على جلب المصلحة ودرء المفسدة، وعليه يجري الحكم على أي موقف سياسي، بناء على أحكام الشريعة معللة بتحصيل المصالح للعباد دون تجاوز مبادئ الشريعة.
وعليه يمكن القول إن المرونة هي السمت الذي يميز السياسة الشريعة، فمسؤولية الشريعة في جوهرها تقديم حلول ومخارج للأزمات والمشاكل، لا تعطيل مسار تطور المشروع الإسلامي، ومبادئ وقيم حماس؛ الملتزمة بمبادئ الشريعة تقوم على الوفاء بالعهد لمن أحسن لها.
لذا يمكن اعتبار الوفاء بالعهد هو جوهر العلاقات الإنسانية والدولية التي تسعى حماس لتعزيزها مع كل الأطراف، لصالح توظيفها لمصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ومن هنا يعتبر كثير من العلماء موقف حماس من إيران مبنيا على أسس سليمة ومنطلقات أساسية في السياسة الشرعية.
أما علاقة إيران بالقضية الفلسطينية فهي علاقة تاريخية، بدأت بدعم منظمة التحرير وتحويل سفارة العدو في طهران إلى سفارة فلسطين، وسفينة الأسلحة (كارين إيه) كانت آخر تجليات هذه العلاقة التي ربما انتهت باغتيال العدو الصهيوني للرئيس الراحل ياسر عرفات 11 نوفمبر 2004.
ومن هنا يمكن اعتبار دعم إيران للمقاومة الفلسطينية "مبدأي" قائم على المصالح الإيرانية في تدمير كيان العدو، وليس دعما قائما على الأيدلوجيا، بدليل أن دعم إيران لحماس والجهاد هو تماماً كدعمها للأحزاب العلمانية واليسارية التي تتبنى المقاومة.
وعودتنا حماس أنها تبني علاقاتها مع أي طرف أو دولة كانت، على قاعدة أن فلسطين فوق الجميع وبحاجة لدعم الجميع، وأن درجة قرب حماس من أي طرف مرتبطة حتما بدرجة قربه من فلسطين ومن المقاومة فيها.
ومن هنا كان حرص حماس على توسيع مجالها الحيوي وتوسيع علاقاتها الإقليمية والدولية لتعظيم تأثيرها في العالم، وخاصة مع دول محورية تدعم حق الشعب الفلسطيني في الحرية.
ومحاولات حماس لنسج علاقات مع دول أخرى مثل جنوب افريقيا وفنزويلا ومع غيرها الدول لا تخفى على أحد، وهي علاقات تجمعها مناصرة الحق والحرية وحقوق الانسان وليس الأيدلوجيا أو الدين.
تقديرات العدو الذي يؤكد الكتاب والمفكرين والمحللين حتى داخل الكيان الصهيوني أنه ذاهب إلى الضعف والتفكك، يضع العلاقات بين حماس وإيران في دائرة العلاقات الخطيرة.
نظرا لأن العدو وأنصاره في الأنظمة العربية لا يريدون أن تمتد الجبهة الشمالية الممتدة من طهران حتى لبنان لتتشابك مع حماس في الجنوب.
وعلاقة إيران مع فلسطين كانت قبل سليماني وستبقى بعد سليماني، لأنها علاقة مع قضية الأمة.
وما اغتيال سليماني الا محاولة لاغتيال هذه العلاقة ومنع إيران من مواصلة تقديم الدعم والاسناد للمقاومة التي تهدد وتزعج الابن الأمريكي المدلل لـ(إسرائيل).
ولا شك ان اغتيال سليماني شكل تحديا أمام إيران من المتوقع ان يدفع طهران لمضاعفة دعمها للمقاومة الفلسطينية كي تواجه الخطر الصهيوني والامريكي.
وآن للذين لا يزالون يلوكون الأمر أن يتوقفوا عن وضع الكلمات في افواه قادة حماس، فمشعل لم يبدي استياءه من مشاركة هنية في تشييع سليماني، باختصار لأن مشعل يدرك قبل غيره أن حماس حركة مؤسسات لا يقودها هنية بقرار منفرد، وانما هو رأس هرم القيادة ينفذ ما تقرره مجالسها الشورية والسياسية.
تماما كما كان مشعل قبل سنوات على رأس هرم القيادة وينفذ ما تقرره مجالسها الشورية والسياسية، عندما زار موسكو في 2017والتقى مسؤوليها، وعندما وجه الشكر في 2009 وعلى رؤوس الأشهاد للدولة السورية، على ما قدمته للمقاومة من دعم واحتضان، ولم يتكلم حينها أحد، لا عن سوريا التي تحارب الاخوان والمسلمين والتي ارتكبت مجازر حماة وحلب1982، كما لم يتحدث أحد عن مجازر روسيا بحق السوريين، ولا بحق الأفغان من قبلهم.
عدا عن ذلك فإن مشعل ذاك الهرم الثقيل في ميزان حماس، أكبر من أن يلجأ إلى الاعلام ليعبر عن مواقفه في قرارات حماس، ففي دوائر حماس الداخلية متسع للتعبير والنقد والنصيحة.
مشعل وهنية قطبا حماس قد يختلفان فالاختلاف رحمة، ولكنه ليس خلافا، والاختلاف لا يفسد للود قضية، وان اختلفا فتحت قبة فلسطين وفي سبيل جلب المصلحة ودرء المفسدة، يحوطهما في كل ذلك الاحتكام الى شريعة الدين الحنيف الذي نظم علاقات كل شيء في الحياة.