فلسطين أون لاين

"المسجد الأقصى في عين العاصفة"

تقرير "محو هوية القدس نهائيًّا".. مسعى الاحتلال في 2020

...
عمَّان-غزة/ أحمد المصري:

كثيرةٌ هي المعارك التي واجهتها مدينة القدس، منذ احتلالها سنة 1948، في  محاولاتٍ حثيثة لانتزاع هويتها ووجهها العربي الخالص، في حين يتصدى المقدسيون لمحاولة الاحتلال "الحسم النهائي لهوية القدس الدينية والثقافية والسكانية".

يقول الباحث في شؤون القدس، زياد ابحيص: إنَّ محاولة الحسم هذه لم تحقق بعد ما يتطلع إليه الاحتلال، لكنه في الوقت نفسه يتمسك بها، في حين سيستمر المقدسيون خلال الأعوام المقبلة في التصدي لها.

وفي حديث مع صحيفة "فلسطين"، يعتقد أن "هذه المحاولة رغم خطرها فإنها تأتي في لحظة أزمة إسرائيلية، وفي لحظة تراجع أمريكية، وهذا ما يجعلها مرشحة للفشل".

لكنه يرى أن "المشكلة الحقيقية" تكمن في أن هذه المحاولة الاحتلالية، يقابلها "مرحلة أزمة فلسطينية وعربية، ما يترك المقدسيين وحدهم في مواجهتها، ما خلا أشكال محدودة من الدعم الشعبي العربي والإسلامي المعنوي والمادي، والذي ما زال دون الحد المطلوب، ولعل هذا ما يدفع بعض الآراء لنفي وجوده من أساسه أحيانًا".

أربع جبهات

ويشير إلى أن محاولة حسم هوية المدينة المقدسة، ذات أربع جبهات مركزية حتى الآن، الأولى جبهة الأقصى: وشهدت 4 مواجهات في 2019 بدءًا من هبة باب الرحمة التي سببها إغلاق شرطة الاحتلال إغلاق مبنى باب الرحمة بقفلٍ وجنزير في 17 فبراير/ شباط 2019، مرورًا باقتحامات الأقصى، وموسم ما تسمى "أعياد رأس السنة العبرية والعرش"، وهذه الجبهة ستتجدد حول العناوين ذاتها إذ إن هناك محاولة احتلالية مبيتة لإغلاق مصلى باب الرحمة.

ويلفت إلى أن حالة التزامن بين العشر الأواخر من رمضان وعيد الأضحى مع ما تسمى "الأعياد اليهودية" ستبقى مستمرة في عامي 2020 و2021، ما سيجعلها عناوين مواجهة أكيدة على مدى العامين المقبلين.

والجبهة الثانية حسب الباحث في شؤون القدس هي جبهة إجهاض الفعل الشعبي المقدسي وقرية العيسوية هي ميدانها الأساسي، حيث لم تتوقف حملات القمع لإخضاعها وبالمقابل لم تتوقف مقاومتها الشعبية الرافضة لهذا الإخضاع، كما أن تلك الجبهة مفتوحة على الانتقال لمراكز أخرى مثل رأس العامود والبلدة القديمة.

أما الجبهة الثالثة فتتعلق كما يقول ابحيص في توسيع حدود القدس لتصبح المدينة المعترف بها أمريكيًا تمتد حتى مشارف طريق أريحا شرقًا، وقد شهدت محاولة احتلالية فاشلة للتوسع تجاه تجمع الخان الأحمر في 2018 إلا أن هذا الفشل لا يغلق ملف توسيع حدود القدس الذي سيبقى مفتوحًا.

والجبهة الرابعة هي ضرب رموز الوجود الفلسطيني المؤسسية والثقافية، وتحت هذا الباب أغلق الاحتلال مكاتب التربية والتعليم في القدس، وعيادات المركز الصحي العربي، وهذا اتجاه مرشح للاستمرار والتصاعد، خصوصًا في ظل التحريض المتتالي على وجود مؤسسات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في القدس.

وعن مصير الأقصى خلال 2020 يؤكد ابحيص أن المسجد ما زال في "عين العاصفة"، ومحاولات الاحتلال لتهويده وتغيير الوضع القائم فيه مستمرة على كل المستويات، وقد بات عنوانًا مركزيًا للمواجهة الشعبية على أرض فلسطين لا سيما على مدى ثلاثة عقود، من هبة النفق 1996 إلى انتفاضة الأقصى 2000 وما عرفت بـ"انتفاضة السكاكين" 2015 وهبة باب الأسباط 2017 وصولاً إلى هبة باب الرحمة 2019.

ويحذر من أن الأقصى "ما زال في مركز الاستهداف الصهيوني، وما دامت جماعات الهيكل المزعوم تواصل صعودها السياسي أو تحافظ على موقعها المؤثر في الانتخابات المتتالية، ما يعني أن المواجهة على الأقصى لن تنتهي، إلا أن رصيد التجربة التاريخية يدعو للثقة بأن الفعل الشعبي المقدسي والفلسطيني سيتجدد دوماً من أجل حمايته والدفاع عنه، ما يجعل الأقصى عنواناً يمكن أن ينقل الواقع الفلسطيني من مرحلة التراجع والانكفاء إلى مرحلة المبادرة ودفع الاحتلال إلى التراجع".

مساحات القدس

وحول ما تبقى للفلسطينيين من مساحات في القدس في ظل هجمة الاحتلال ومشاريع الاستيطان، يقول ابحيص إنها "كثيرة"، وإنها لو لم تكن كذلك لما كانت هناك هجمة على القدس لحسم هويتها.

ويتابع: "هناك عدوان كبير وخطير على القدس وعلينا التصدي له؛ هذا صحيح، لكن علينا أن نتنبه من الخطاب التهويلي، لأنه بدأ يصنع وعيًا زائفًا يتوهم أن المدينة باتت يهودية وبالكاد تبقى فيها آثار للهوية العربية وهذا غير صحيح".

ويؤكد أن معركة القدس "معركة رابحة"، والمقدسيون تمكنوا من الحفاظ على مواقع متقدمة فيها، لكن لا بد من دعمهم والوقوف إلى جانبهم فيها حتى لا يخسروا هذه المواقع وحتى لا تنجح هجمة الاحتلال والإدارة الأمريكية.

ويبرهن ابحيص حديثه بالأرقام، حيث شرق القدس ما زال ذا غالبية عربية فلسطينية، إذ يسكنه 345 ألف مقدسي مقابل 250,000 مستوطن، وأحياء مركز القدس هي عربية بالكامل تقريبًا، من وادي الجوز إلى شارع صلاح الدين والبلدة القديمة فسلوان ورأس العامود والثوري، وكلما اقتربت من مركز القدس بات الاختراق الاستيطاني فيها مجهريًّا، ففي البلدة القديمة يبلغ المستوطنون 10%، وفي سلوان 4% رغم أن محاولات الاستيطان في سلوان بدأت سنة 1882.

ويشدد على أن مشاريع الاستيطان خطيرة على المدينة وتسعى لتحويلها إلى مجموعة أحياء وجزر متناثرة غير قابلة للتواصل، ولا بد من دعم المقدسيين في مواجهتها ومن مواصلة تجريمها وحصارها على المستوى الدولي، حتى لا يتمكن المحتل من تحويلها إلى واقع على الأرض، وهو ممكن إن وجدت الإرادة والعمل الدؤوب، والتعويل فيها أساساً على المواجهة الشعبية في الميدان، وعلى موقف حد أدنى رسمي فلسطينياً وعربيا.

ويكمل: "سنكون في عام 2020 أمام تحديات ستعزز عوامل الاحتقان والمواجهة، قد تنتهي إلى تجدد الحراك الشعبي المقدسي خلاله".