في الوقت الذي ما زالت فيه إسرائيل تنأى بنفسها عن اغتيال قاسم سليماني، لكنها تعتقد في الوقت ذاته أنها ليست بمنأى عن تبعاته، وتردداته التي لم تتوقف عند القصف الإيراني للقاعدة الأمريكية غرب العراق.
من النتائج التي ترددت في الآونة الأخيرة عقب اغتيال سليماني ما أثير من لغط أمريكي بالانسحاب من العراق، خشية وقوع القوات الأمريكية تحت استهداف الميليشيات المسلحة التابعة لإيران، ودخولها بحرب استنزاف، ستؤذي جدا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام انتخابي حاسم.
لكن التقديرات الإسرائيلية السائدة تفيد بأن ترامب، لم يقرر بعد المغادرة النهائية للمنطقة، فالرد الإيراني المتواضع على اغتيال سليماني، قد يرجئ أي خطط أمريكية لإخلاء قواتها من المنطقة.
لقد تلقفت الأوساط الأمنية الإسرائيلية ذلك البيان المسرب لقائد القوات الأمريكية بالعراق الجنرال ويليام سيلي، حول الانسحاب الأمريكي، بصورة متسارعة، ووجدت النسخة المترجمة للعبرية من التصريح طريقها لمجموعات الواتساب التي يشترك فيها كبار الخبراء العسكريين، وضباط الجيش والأجهزة الأمنية.
تضمن محتوى الكتاب المسرب أن الأمريكيين يستعدون للانسحاب من العراق، مما ساهم بإطلاق صفارات الإنذار الداخلية في المنظومات الأمنية الإسرائيلية، ومقر وزارة الحرب "الكرياه" في تل أبيب، لأنه كفيل باستعادة سيناريو الرعب الذي تخشاه إسرائيل، ويتمثل بقرار أمريكي سريع بإخلاء القوات من العراق وسوريا.
هذا السيناريو المقلق قد يترك إسرائيل تواجه وحدها التحديات الماثلة في المنطقة، خاصة بعد إعلان إيران أنها قد تعيد النظر في مدى التزامها بالاتفاق النووي، في وقت حرج بالنسبة لإسرائيل، وليس هناك من سيناريو أسوأ للأمن القومي الإسرائيلي، رغم أنه بعد ساعات قليلة تبين أن الكتاب المسرب واجه نفيا أمريكيا على لسان وزير الدفاع مارك أسبيرن وعدد آخر من المسؤولين الأمنيين والعسكريين الأمريكيين.
لكن هذا النفي الأمريكي لم يهدئ من روع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية؛ لأنها لم تعد تعرف طبيعة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وباتت تستيقظ كل صباح على حالة جديدة من عدم اليقين، ولئن كان ترامب، وفق القناعة الإسرائيلية السائدة اليوم، أنه لم يقرر بعد هل سيبقى في العراق أم ينسحب منه، لكنه بالأكيد ليس معنيا بنقل التوابيت السوداء المحملة بجثامين جنوده بالطائرات إلى واشنطن في عام الانتخابات.
بغض النظر عن طبيعة تسريب الكتاب الخاص بالانسحاب الأمريكي من العراق، فإن إسرائيل ترى نفسها مطالبة بالتنبه جيدا لأي سيناريو سيئ قد يحدث لها، لأن هذه السيناريوهات آخذة بالتزايد والتعاظم؛ والتوجه الأمريكي بمغادرة المنطقة عشية عام الانتخابات سيترك إسرائيل تواجه التهديدات وحدها في ظل توقيت حرج وخطير، مما قد يضطرها للقيام بجملة خطوات واسعة لتحضير نفسها للخيار الأسوأ.