بينما تعدُّ الأوساط الحكومية والأمنية الإسرائيلية أن التهدئة الجاري إنجازها في غزة قرارًا صحيحًا، لأنها فرصة سانحة لتحسين الظروف المعيشية في القطاع، تهدأ الجبهة الجنوبية في المستوطنات الحدودية، لكن القناعة السائدة بأنه لن تكون تسوية واسعة دون إعادة الأسرى الإسرائيليين.
يعتقد الإسرائيليون أن هذه التسوية أو التهدئة، بغض النظر عن توصيفها، لن تحول دون تنامي قوة المقاومة الفلسطينية في غزة، مع تحذيرات رئيس جهاز الأمن العام- الشاباك من نشوء حزب الله 2 في قطاع غزة، لكن إسرائيل كأنها تعترف ضمنيًّا أنها لا تملك حلًّا سحريًّا لتحويل غزة منطقة آمنة لها، رغم زعمها بأن التفاهمات الجارية لا تقيد جهودها.
ليس سرًّا أن إسرائيل تعمل الكثير للحد من تعاظم حماس، وهذا عمل يحمل معه مخاطر جمة، والمقاومة تعلم أن الاستخبارات الإسرائيلية تبذل جهودًا حثيثة في هذا المضمار، رغم إخفاقاتها الأخيرة في غزة، لكن المواجهة التي تجري خلف الكواليس بين المقاومة والاحتلال تبدو سجالًا، كر وفر، حرب عقول وصراع أدمغة، في البحر والبر وتحت الأرض.
رغم هذا التقدير الحكومي والأمني والعسكري المشجع على التهدئة والتسوية مع حماس في غزة، لكن أوساطا أخرى في إسرائيل لديها مواقف مغايرة، على اعتبار أنها مطالبة بضرورة اتخاذ قرار "استراتيجي" يتعلق بالأوضاع في غزة، بعيدا عن مساعي تحقيق التهدئة مع حماس، بزعم أنه من أجل إيجاد حل جذري لما بات يسميه الإسرائيليون "مشكلة غزة"، يجب العودة إلى الجذور، وليس البدء من منتصف الطريق.
هذا الموقف الإسرائيلي المعارض يطرح أسئلة بعيدة المدى، من قبيل: غزة، هذه البقعة الجغرافية، هل نعدُّها خاضعة لمنظمة مسلحة معادية، أم يجب أن تبقى جزءًا من السلطة الفلسطينية، ولئن كان الجواب الأخير، فهل المطلوب البدء بتقوية السلطة وإضعاف حماس، رغم أنه بعد 14 عامًا من الانسحاب الإسرائيلي من غزة، و13 عامًا على سيطرة حماس عليها، استمر التعامل الإسرائيلي معها على أنها كيان معادٍ.
أسفر الحصار الإسرائيلي وبعض الفلسطيني والإقليمي والدولي المفروض على غزة لتحويلها قنبلة موقوتة متكتكة، وقابلة للانفجار في أي لحظة، خاصة وأننا أمام بقعة جغرافية صغيرة هي الأكثر ازدحاما في العالم، يعيش فيها مليونا إنسان، تسيطر عليه منظمة مسلحة، تسعى بكل جهد للحفاظ على نفسها وقدراتها وإمكانياتها العسكرية.
كل ذلك يتطلب من إسرائيل، وفقا للمواقف الإسرائيلية المعارضة للتسوية، حسم النقاش الدائر حول المسؤولية عن غزة، لأننا اليوم أمام اتفاق هش لا يلزم حماس بأي شيء، لا بوقف إطلاق الصواريخ، ولا وقف المظاهرات، أو نزع سلاحها، مما يؤكد أن طريقنا للمواجهة العسكرية المقبلة بات يقترب أكثر من أي وقت مضى.