"أغاروا على بيوتهنَّ، انتهكوا حرمتهنَّ وحشمتهن، سرقوا ما بلغته أيديهم، هدموا، دمروا، قتلوا، لم تردعهم أخلاق أو دين أو مبادئ؛ فالبقاء للأقوى في الغاب الذي غدا البشر يعيشون فيه وتحكمه قوانين شتَّت عن المنطق والإنسانية.
صرخنَ، حتى بلغت صرخاتهن عنان السماء، استغثن، ولكن ما من مجيب، وقفوا يقولون لهنَّ: أنصتنَ صونًا للعرض!
تدثرت بعضهنَّ بملاءتها، وولينَ الفرار، وغدونَّ مشردات منبوذات جائعات يتسولن لقمة العيش، وبعضهن الآخر استسلمت بقنوت وبؤس وقبلت الرق على نفسها طائعة فلا أقل من سقف يؤويها ولقمة تشبع جوفها، مهما كانت فداحة ثمنها.
أمَّا أشجعهنَّ فتقلدت السلاح، ومضت تقاتل، أثخنتها الجراح، إلا أنها لم تبالِ، تحاملت على نفسها ومضت إلى الأمام بشموخ وعز، فليس أشرف من أن تذود عن نفسها بنفسها حين يعز الرجال، فالحرة لا تقبل الضيم على نفسها.
وتستمر حكاياهن وتعيد نفسها دون أن تملَّ التكرار".
صديقتي العزيزة:
طالما ألححتِ عليَّ أن أبوح لك بالسر الذي يدفعني للكتابة عن النساء خاصة، وكل ما يؤلمهن ويقض مضاجعهن وكأني أمٌّ لهنَّ، مسؤولة عنهنَّ جميعًا، يؤلمها ما يؤلمهنَّ ويجرح قلبها ضياع حقوقهنَّ والتعدي عليهنَّ، مع أنِّي لست من أنصار حركات تحرر المرأة التي تكثر في أيامنا هذه، وتظهر علينا في كل حين بألسنة شتى ودعوات شوهاء ليست منا ولا من ديننا أو من أخلاقنا، وتنتشر في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وتدسُّ لنا السم في الدسم، وتركب الموجة لتُظهر نفسها مدافعة عن النساء المضطهدات المبتورة حقوقهن، في حين لديها مآرب أخرى لا تجاهر بها في الغالب.
أولًا، اعلمي -يا صديقتي- أنني لا أكتب إلا النثر الرصين العفيف الملتزم الذي يحمل في ثناياه القضايا الجادة، أطالب عبرها بإحقاق الحق وإعلاء كلمة الله؛ لوجه الله قبل أي اعتبارات أخرى.
ثانيًا، إن النساء هنَّ حجر الأساس في المجتمعات، فهنَّ من يلدن ويربينَ الأجيال الناشئة، فيغرسن فيها القيم والمبادئ والأخلاق والدين أو يتركنها تكبر وتشبُّ على هواها في المقابل؛ فبصلاح نسائها تصلح المجتمعات، وبضلالهن تتصدع وتتقوض أركانها وتنهار، ولما كانت قضايا المرأة وهمومها في مجتمعنا الفلسطيني خاصة والعربي عامة تهمني وتثير همتي وشغفي للكتابة؛ فإني أسعى دائمًا إلى تبصير النساء ما قد يغيب عن بالهنَّ في كل ما يخص علاقتهن بأزواجهن ومجتمعهن وتربيتهن لأبنائهن والمشكلات التي تواجههن في أثناء ذلك، وأصبو إلى تعريفهنَّ حقوقهنَّ، والطرق التي تحافظ الواحدة منهن بموجبها على صحتها من النواحي الجسدية والنفسية والاجتماعية، وما يزيد من دورها الخطير في المجتمعات فاعلية وتأثيرًا.
لذا تجدينني دائمًا مشدودة للكتابة عن النساء في كل القضايا دون تحديد.
وبعد سنوات عدة من تجارب مختلفة في الغوص في بحور الكلمات، ومحيطات اللغة والفكر، أبحت لنفسي وتجرأت أن أُطلق عليها لقب كاتبة وأديبة.
أأُسرُّ لك شيئًا أيتها الصديقة العزيزة على قلبي؟
بعد رحلة طويلة في دروب شتى وعرة توصلت إلى حقيقة قد تستغربينها، لقد وجدت أن شهرزاد يسكننا، فنحن نحب سرد الحكايات، والاستماع لأخطر القضايا وأهمها على شكل حكايات يقصها أصحابها ويبثُّون همومهم عبرها، ويوجهون النصح والتوصيات لمن يشبههم في الظروف، وتجدنا نمل المواعظ والخطب والمقالات الطويلة، ولا نكاد نرهق أنفسنا بإكمال قراءتها بعد انتقال جنون السرعة إلينا جميعًا.
لتلك الأسباب جميعها، أعشق الكتابة عن المرأة وهمومها وقضاياها، وكل ما يخصها دون تحديد.
ودمت بأفضل حال ورضا من الله.