فلسطين أون لاين

هكذا حاصر التنسيق الأمني أحمد جرار حتى اغتاله الاحتلال

...
جنين-غزة/ أحمد المصري-محمد أبو شحمة:

التاسع من كانون الآخر (يناير) 2018م: خلية تابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، بقيادة الشهيد أحمد نصر جرار، تنفذ عملية اغتيال للحاخام الصهيوني "رزيئيل شيبح"، قرب مستوطنة "حفات جلعاد" في نابلس شمالي الضفة الغربية، إذ أطلق المقاوِمون 22 رصاصة على سيارته مباشرة، فأصيب بجراح خطرة ليعلن الاحتلال فيما بعد مقتله.

وفور وقوع العملية الفدائية أغلق جيش الاحتلال الإسرائيلي منطقة الحادث، وأقام حواجز على الطرق في مدينة نابلس، في محاولة لأسر المنفذين، لكن بسرعة البرق انسحب أحمد وأفراد خليته إلى منطقة آمنة أعدت مسبقًا قبل تنفيذ العملية، ثم عاد أحمد إلى بيته في جنين وكأن شيئًا لم يكن، واستمر بحياته طبيعيًّا، حتى إن والدته وإخوته لم يعرفوا شيئًا عنه وعن تحركاته، بعد تنفيذ العملية بإتقان وسرية تامة.

تفرق المقاوِمون كلٌّ إلى بيته، ولا يعرف أحد شيئًا عنهم، ولكن السلطة اتُّهِمت بأنها لاحقت الخلية وتتبعتها، وعاونت جيش الاحتلال على الوصول إلى قائد الخلية الشهيد أحمد جرار، وهنا بدأت المطاردة.

بدأ جيش الاحتلال وقيادته التهديد والوعيد، بأنهم سيصلون إلى منفذي عملية نابلس بسرعة كبيرة، وبعد 10 أيام من اختفاء مقاتلي الخلية عن أعين الاحتلال، أعطت أجهزة  السلطة –وفق إفادة الموقع الإلكتروني لـ"القسام"-الاحتلال طرف أول خيط يدل على المنفذين.

وفي 17 كانون الآخر (يناير) 2018م، اقتحمت قوات الاحتلال جنين بحثًا عن الخلية المنفذة لعملية نابلس، وقد كان الشهيد أحمد يسبق الاحتلال بخطوات، إذ جهز نفسه منذ البداية ليواجهه ببسالة.

تمكن أحمد من الانسحاب، في حين اشتبك ابن عمه الفدائي أحمد إسماعيل جرار ساعات مع جنود الاحتلال، وانتهت الاشتباكات باستشهاد أحمد إسماعيل جرار، وإصابة عنصرين من قوات الاحتلال الخاصة المسماة "يمام". 

استمرت عمليات المطارة والمتابعة للقسامي جرار، حتى أفلت مجددًا من قبضة الاحتلال في الثالث من شباط (فبراير) 2018م، عندما حاصر جيش الاحتلال بلدة برقين جنوب غرب جنين، بحثًا عنه، ولكن الاحتلال خرج خائبًا، وكان في كل مرة يضرب بقوة مفرطة لردع الأهالي وللضغط على المطارد جرار، واستشهد خلال المواجهات الشاب أحمد أبو عبيد.

بعدها بيوم عاد جيش الاحتلال واقتحم البلدة مرة أخرى، ولكنه فشل مجددًا في اعتقال المطارد القسامي جرار، لينسحب مهزومًا.

السبب الرئيس

وفي السادس من شباط (فبراير) 2018م، وقع اشتباكٌ مسلحٌ مع قوات الاحتلال في بلدة اليامون انتهى باستشهاد أحمد نصر جرار، نجل القائد القسامي الشهيد نصر جرار الذي ذاق منه الاحتلال الويل في حياته وبعد استشهاده، ليرتقي وقد بات أنموذجًا في مقارعة الاحتلال.

يوني بن مناحيم، الضابط السابق في جهاز (الموساد)، الذي يعده الاحتلال الأقدر على تنفيذ مهمات الاغتيالات الصعبة والمعقدة، قال عبر حسابه في "تويتر" دون أن يكشف هل روايته نقلًا عن مصادر مقربة من (الموساد): "إن الوصول إلى مكان اختباء جرار يؤكد أهمية التنسيق الأمني بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية".

فصائل المقاومة الفلسطينية أكدت في بيان لها، عقب استشهاد جرار، أن التنسيق الأمني مع الاحتلال هو السبب الرئيس لوصول الاحتلال الإسرائيلي إلى المجاهدين بالضفة الغربية المحتلة.

وقالت الفصائل حينذاك: "إن الملحمة البطولية التي شهدتها جنين، وما أعلنه العدو نفسه أنها كانت "ليلة صعبة"؛ ليؤكد أن الطريق الأنجح والأصوب هي المقاومة المسلحة في وجه العدو الغاصب".

وشدد البيان على أن ما حصل من اشتباك وتصد لجيش الاحتلال يؤكد أن الضفة بها رجال مستمرون في نهج المقاومة، ورفض سياسة التعاون الأمني مع الاحتلال على استهداف المقاومة الفلسطينية.

وردَّ فعل شعبيًّا على تورط السلطة في تسليم جرار، أقدم عدد من المواطنين على طرد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد من خيمة عزاء الشهيد أحمد جرار، في العاصمة الأردنية عمان حينذاك.

وأظهر فيديو متداول رجلًا (قال ناشطون إنه من عائلة جرار) وهو يقاطع الأحمد في أثناء إلقائه كلمة بخيمة العزاء، ويوجه له الاتهام بأنهم هم من سلموه (أي السلطة الفلسطينية) بالمشاركة في "جريمة اغتياله بتسليم معلومات قادت للوصول إليه".

وظهر في الفيديو عدد من الغاضبين وهم يطالبون الأحمد بمغادرة مكان العزاء تعبيرًا عن رفضهم التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، و"تخلي" حركة فتح عن الكفاح المسلح.

ووفقًا للتسجيل، دعا المحتجون الأحمد إلى عدم الحديث، لكنه أصر على إلقاء كلمته داخل العزاء، رغم تعالي الأصوات المقاطعة له بعبارة: "إنتو سلمتوه.. انهي".

القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" فتحي القرعاوي لا يستبعد وجود دور لأجهزة أمن السلطة في تتبع ورصد الشهيد جرار، وإرسال المعلومات عنه إلى قادة الاحتلال الإسرائيلي.

ويقول القرعاوي في حديثه إلى صحيفة "فلسطين": "السلطة تلاحق المقاومين وتتابعهم وترسل تقارير جاهزة إلى الأجهزة الأمنية المختلفة التابعة للاحتلال عن أعمال المقاومة، باعتراف رسمي من قادة الاحتلال".

ويلفت إلى أن السلطة تستخدم أدواتها المختلفة في ملاحقة المقاومين، للمساهمة في إحباط أعمالهم الفدائية.

ويوضح أن التنسيق الأمني نص عليه اتفاق "أوسلو" الذي وقعته منظمة التحرير ودولة الاحتلال في التسعينيات.

أستاذ العلوم السياسية د. عبد الستار قاسم من جهته يقول: "إنّ سياسة التنسيق الأمني سياسة تقوم من أساسها على استئصال أي عمل مقاوم، وضرب الجهة المنفذة له دون هوادة، باعتباره عملًا يضر بعملية التسوية والاتفاقات الموقعة".

ويؤكد قاسم لصحيفة "فلسطين" أنّ التنسيق الأمني فعليًّا أعطى الأمان والضوء الأخضر للمستوطنين لمواصلة جرائمهم بحق المواطنين الفلسطينيين العزل في قرى وبلدات الضفة، قائلًا عن دور السلطة: "لها عيون مراقبة، واستخدام للتنسيق الأمني".

ويشير إلى أن ملاحقة "جرار" والوصول إلى مكانه أكثر من مرة يدل على أن هناك متابعة حثيثة حصلت في مناطق تسيطر عليها السلطة، ومؤشر على استخدام مكثف للتنسيق الأمني.