الولايات المتحدة الأمريكية تغتال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وأبو مهدي المهندس أحد قيادات الحشد الشعبي وهو تشكيل عسكري يتبع للقوات المسلحة العراقية، وذلك بالقرب من مطار بغداد، وهو ما يعتبر انتهاكًا واضحًا ومباشرًا لسيادة دولة عربية هي العراق، وتجاوزًا للخطوط الحمر في استهداف سليماني وهو شخصية وازنة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو ما يعني أن الأمور ذاهبة باتجاه سيناريوهات في معظمها تأخذ الطابع التصعيدي ما يؤثر على منطقة الشرق الأوسط ككل.
قبل الخوض في السيناريوهات ينبغي الدخول في حالة الجدل التي رافقت اغتيال سليماني ورفاقه، حيث انقسمت المنطقة العربية بين مؤيد وداعم وفرح لاغتيال سليماني، وبين غاضب ورافض وطالب للثأر والانتقام له، وهو انقسام يعبر عن حال الأمة العربية والإسلامية ويعكس تعقيدات المشهد، وواضح أن مبدأ تدوير الزوايا هو السائد في عملية إصدار المواقف، فمن صدر موقفًا ضد سليماني هو ينطلق من زاوية رؤيته لما قام به سليماني في العراق وسوريا، ومن قام بنعي الحاج قاسم ينطلق من زاوية رؤية متعلقة بدعم سليماني ووقوفه بجانب مصالحه، ولم تكن فلسطين بعيدة عن حالة الجدل، فقد أثار بيان إدانة حركة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية لجريمة اغتيال سليماني حالة جدل وانتقاد من أطراف عربية وحتى أطراف تعتبر صديقة لحماس، وهنا زاوية رؤية حركة حماس تنطلق من أنها حركة تحرر وطني كل همها أن تحرر فلسطين من دنس الاحتلال، وأول متطلبات التحرير حشد الدول والشعوب خلفها، وجلب السلاح والمال والتدريب والتصنيع إليها لمقارعة الاحتلال، من وجهة نظري وفق ما سبق يطبخ القرار السياسي لحماس، فعلى صعيد الدول العربية هناك تقصير في دعم المقاومة وبعض الدول العربية ذهب لأرهبتها، وكل الدول العربية تقريبًا لم تدعم حماس بالسلاح والمال والتدريب والتصنيع كما وفرته إيران، وهذا لا يعني أن هناك فريقًا داخل حماس يرفض البيان ولكنه لا يجد مبررات تقوي وجهة نظره نتيجة السياسات العربية الخاطئة في التعاطي مع الملف الفلسطيني.
نعود لسيناريوهات الرد الإيراني على جريمة اغتيال سليماني، والتي أعتقد أن مجلس الأمن القومي الإيراني لن يكون مقيدًا بسيناريو واحد، ولا بسقف زمني أو مكاني للرد، بل سيعمل على الدمج بين السيناريوهات لتحقيق هدف إستراتيجي يكون بوزن جريمة الاغتيال ذات الوزن الإستراتيجي، وعليه فإن أهم هذه السيناريوهات وفق الترتيب ما يلي:
- سيناريو الضربة الدبلوماسية:
يندرج ضمن هذا السيناريو اتجاهين هما: جلاء القوات الأمريكية من العراق، والصفقة السياسية.
الأول: الصفقة السياسية
ضمن هذا السيناريو يتم الذهاب للأمم المتحدة لإدانة العدوان والاستفادة من هذا المناخ ضمن صفقة سياسية ترفع بموجبها العقوبات الأمريكية والغربية على إيران، وربما العودة للاتفاق النووي الذي وقعته مجموعة 5+1، وتلعب الصين وروسيا وأوروبا دورًا بارزًا في تعزيز هذا السيناريو.
الثاني: جلاء القوات الأمريكية من العراق
وذلك بالضغط على الحكومة العراقية لاتخاذ قرار بجلاء التواجد الأمريكي من العراق وهذا يتطلب تصويت البرلمان العراقي على إلغاء اتفاقية تواجد قوات التحالف في العراق، وتواجدها مرتبط بالقضاء على داعش، وهذا ما يفسر ظهور داعش بين وقت وآخر بالعراق لتبرير التواجد الأمريكي فيها، إلا أن تصويت البرلمان على ذلك يصطدم بقوى لا تقبل بإنهاء التواجد ما يصعب اتخاذ قرار بهذا الشأن، وفي حال تم التوافق على ذلك فإن الانسحاب يحتاج لبعض الوقت، ولكنه يعتبر مكسبًا استراتيجيًّا لإيران، لكونه سيمنح الجمهورية الإسلامية مساحة للتحرك في العراق، والربط الجغرافي مع سوريا وبذلك تكثيف التواجد العسكري في شرق المتوسط.
وما يدعم هذا السيناريو ثلاثة مؤشرات:
• تغريدة ترامب أن إيران لم تنتصر في حرب ولكنها لم تخسر عملية تفاوض، وهو ما يعزز عملية التفاوض على العمل العسكري لما له من تداعيات وخيمة على المنطقة.
• الأقل تكلفة والأكثر فائدة.
• الخشية من تداعيات عمل عسكري يؤدي لاندلاع حرب لا تقوى إيران وحلفاؤها على استيعاب نتائجها.
- سيناريو الفوضى الخلاقة عبر دعم وتعزيز جهات معادية للولايات المتحدة لا سيما في أفغانستان أو اليمن وغيرها.
يقوم هذا السيناريو على أن الرد الإيراني غير المباشر أي الحرب بالوكالة من خلال حلفاء إيران في المنطقة لإرهاق التواجد الأمريكي وحلفائها في الشرق الأوسط.
- سيناريو الخيار العسكري:
ويتم ذلك عبر اتجاهين:
الأول: إشعال جبهة الشمال مع (إسرائيل) وذلك عبر ردود عسكرية من لبنان أو سوريا أو فلسطين تأخذ طابع الاستنزاف العسكري والأمني لدولة الاحتلال.
الثاني: الرد الإيراني المباشر ويأخذ عدة أشكال، أهمها: إغلاق مضيق هرمز والتأثير على أسعار الطاقة وسوقها، أو استهداف مباشر للتواجد الأمريكي في الشرق الأوسط، أو المصالح الأمريكية في المنطقة.
- سيناريو امتصاص الضربة دون رد:
وهذا السيناريو محتمل ويتم امتصاص الضربة والاكتفاء ببيانات الشجب والاستنكار، والتفرغ لبناء البرنامج النووي، وتحسين الواقع المعاش بالجمهورية الإسلامية.