تشكل السياسة التي تتبعها حكومة اليمين الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين في غزة بالذات، لاسيما من خلال وزير الحرب نفتالي بينيت مدعاة لأن يسأله الإسرائيليون عن اختفاء الأيديولوجية التي دفعته قبل دخول مقر وزارة الحرب لإصدار تهديداته ضد حماس، واتهامه لبنيامين نتنياهو رئيس الحكومة بالخضوع أمامها بدفع الأموال القطرية اليها، وهل جاء قراره بتقليص أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية كي ينسى مصوتو اليمين ضعف وزيرهم أمام حماس في قطاع غزة.
لقد قام بينيت خلال السنوات الماضية بجهود دؤوبة كي يحدد سياسته "الصقرية" تجاه قطاع غزة، سواء حين كان وزيرا للاقتصاد ثم للتعليم، واعتاد أن يلقي خطابات، ويكتب تغريدات، كلها تسلط الضوء على غزة.
كلنا يذكر أن من أهم شعارات بينيت في السابق أن "ليبرمان خضع لحماس"، من خلال سماحه لها بأن تتقوى بالمزيد من القدرات العسكرية، والتحذير بأنها بعد ثلاث سنوات ستتحول لنموذج جديد من حزب الله في الجبهة الجنوبية هذه المرة، لكنها ستكون أكثر خطورة، وهي تقترب من جدران مدينة عسقلان، واتهم من يخضع لحماس بالموافقة على إدخال الأموال إلى غزة سيجلب لإسرائيل الحرب.
حتى أن الأمر وصل مع بينيت أن يضغط على نتنياهو للقيام بأي تحرك ضد حماس، ومطالبته بتغيير وزير حربه آنذاك، ليبرمان، إن كان عاجزا عن القيام بذلك، لكن نتنياهو بعد عام من استقالة ليبرمان، قرر تعيين بينيت بدلا منه وزيرا للحرب، ويا للمفارقة.
فقد شارك بينيت قبل أيام بمداولات إبرام تسوية مع حماس، يضمن استمرار ضخ الأموال القطرية، وزيادة كميات الكهرباء، وتوسيع مساحة الصيد، وتصاريح العمل داخل إسرائيل، لكن بينيت ذاته لم ينبس ببنت شفة، فاتفاق التسوية المتبلور يتم بتنسيق كامل معه.
هذا السلوك دفع ليبرمان لإعادة تذكير بينيت بما حذره منه حول الخضوع لحماس، وأعاد عليه ذات الكلمات بالقول "كل من يتجاهل قوة حماس اليوم، فسيتلقى حزب الله جديدا في غزة"، ويبدو أن من حق ليبرمان أن يعيد على مسامع بينيت هذه المفردات التي طالما أسمعه إياها، وكانت السبب الرئيس لاستقالته من وزارة الحرب.
من الواضح أن بينيت ليس لديه أي توجه حالي للاستقالة، فهو يحب منصبه، وتناسى الأيديولوجية التي يرددها دائما بشأن توفر خطة لسحق قوة حماس، وبنيتها العسكرية، دون الدخول إلى غزة برياً، مع العلم أن هذه التسوية مع حماس لا تلقى رضا جميع مكونات المنظومة الأمنية والسياسية الإسرائيلية، التي حذر بعض قادتها أنها سترسخ سلطة حماس في غزة، لكن هذه التحذيرات لا تجد لها آذانا صاغية لدى الثنائي الإسرائيلي، نتنياهو-بينيت.