في قراءة مغايرة للمواقف الإسرائيلية التقليدية، صدرت مؤخرا جملة مواقف إسرائيلية غير رسمية، تفيد بأن عدم تحقق المصالحة بين فتح وحماس سيترك تأثيره السلبي على الإسرائيليين، لأن الانقسام يؤثر على الشرق الأوسط، ويترك تبعاته الخطيرة على إسرائيل.
ينطلق الإسرائيليون في قراءتهم الجديدة هذه من فرضية أن الساحة الفلسطينية ليست مستقلة كليا عما يجري في مناطق جغرافية مجاورة، فهي تشهد منظومتان سياسيتان في الضفة وغزة، تقيمان علاقات متبادلة، لكنهما منفصلتان، وتحاولان السيطرة على مراكز القوى في الساحة الفلسطينية.
المفاجئ أن تترك الاستقطابات الفلسطينية تأثيراتها على الشرق الأوسط، بما فيها الساحة السياسية في إسرائيل، ففي غياب المصالحة، وعدم طي صفحة الانقسام، فلن يتمكن الفلسطينيون والإسرائيليون من بدء مفاوضات التسوية.
كما أن وجود منظومتين فلسطينيتين منقسمتين، تمتلكان رؤيتين مختلفتين عن الواقع السياسي، دفع بحالة من عدم الاستقرار الذي يهدد المصالح الأمنية والسياسية لإسرائيل، لأن الواقع القائم ينزع الشرعية عن أي جهود قد يقوم بها الرئيس الفلسطيني للتقدم بمفاوضات السلام مع إسرائيل.
وفيما قرر أبو مازن أخذ الصراع الفلسطيني مع إسرائيل للواجهة الدبلوماسية فقط، فإنه قلق من المحاولات التي بدأتها حماس في المسار السياسي والتفاوضي، رغم أنها تتخذ المقاومة المسلحة لتحقيق أهدافها، ونجحت فيما تمارسه من العمل المسلح في غزة بفتح حوارات إقليمية مع مصر وقطر وتركيا، وحتى إسرائيل، وإن كان عبر وسطاء عرب ودوليين.
تفترض قطاعات واسعة من الإسرائيليين أن حماس تحولت لاعبا شرعيا معترفا به في المنطقة، بما يهدد مكانة عباس ومنظمة التحرير التي يقودها، وربما تقترب حماس من جني الحصاد السياسي لسلوكها العسكري، حيث بدأت تحت وطأة الحصار الذي تعيشه تصدر مواقف جديدة، وتهتم أكثر ببناء مؤسسات الدولة، وتقديم القضية الفلسطينية للمجتمع الدولي، ما يتطلب من قيادة السلطة الفلسطينية أن تتحسس موضع قدمها.
ورغم أن الكثير من الإسرائيليين أصدروا نعيهم للقضية الفلسطينية، لكن جولات التصعيد العسكري في غزة بين حين وآخر استدرجت إليها المزيد من مبعوثي المنطقة والعالم، وتركت القضية الفلسطينية تأثيرها السلبي على العلاقات الإسرائيلية مع مصر والأردن، ورغم أن دول الخليج تنتهج سياسة أكثر براغماتية تجاه إسرائيل، لكن القضية الفلسطينية ما زالت تحول دون تطبيع العلاقات كاملة بينهما.
كل ذلك يضع أمام الحكومة الإسرائيلية القادمة تحديا هاما يتمثل بإعادة تحريك المسار السياسي بين تل أبيب ورام الله، حيث لا يفصل بينهما أقل من نصف ساعة، خشية من تصدر حماس للمشهد السياسي الفلسطيني، وما قد يتركه ذلك من تبعات سلبية على إسرائيل.