تزايدت في الآونة الأخيرة الدعوات المحلية والإقليمية والدولية لتحسين الأوضاع المعيشيّة السيّئة في غزّة، استكمالاً للتفاهمات الإنسانيّة الموقعة في أكتوبر 2018، وتضمّنت فتح معابر القطاع، وتدفّق البضائع، وتشغيل آلاف العمّال الفلسطينيّين، وحلّ مشكلة الكهرباء.
لكن التطوّر الأخير تمثل بما كشفته الصحافة الإسرائيلية عن خطّة كبرى لإقامة 3 مناطق صناعيّة على طول الحدود مع غزّة، وعرضت الخطّة على السفير الأميركيّ بإسرائيل ديفيد فريدمان وعلى بنوك وشركات أوروبيّة كبرى أعربت عن اهتمامها بالمشاركة فيها.
جاء لافتا أنّ من يقود هذه الخطّة، عدد من رؤساء المجالس الاستيطانية فيما يعرف بغلاف غزة، وتتزامن مع المحادثات الجارية بين إسرائيل وحماس بصورة غير مباشرة، ومع أنّ الحركة لا تعلق على خطط اقتصاديّة لتحسين ظروف غزّة، ما زالت في طور التداول، لكنها ترحب بأي مقترح من شأنه التخفيف عن غزة، فهدفها رفع الحصار، وعدم منح إسرائيل مزيداً من الفرص لشراء الوقت، والمماطلة بتنفيذ التفاهمات الإنسانيّة.
لم تعد ظروف الفلسطينيّين في غزّة محتملة، والمطلوب هو خطوات حقيقيّة وخطط جديّة، وليس تقديم المزيد من الوعود الجوفاء، لأن تحسين الظروف الصعبة للقطاع، قد يحول دون نشوب أيّ مواجهة مع إسرائيل، والأطراف المنخرطة بهذه المباحثات، تشجّع تحقيق انفراجة جديّة في غزّة.
يتوقع أن تتركز المناطق الصناعيّة المذكورة، في حال إقامتها، بجوار معبر إيريز بيت حانون شمال القطاع، والثانية شرق القطاع عند معبر كارني، والثالثة شرق خانيونس جنوبه، إضافة لمحطّة توليد الكهرباء، وإنشاء محطة لمعالجة النفايات الصلبة في القطاع، وإمداد محطّة التوليد الوحيدة في غزّة بالغاز لتشغيلها بكامل الطاقة الإنتاجيّة، وتطوير محطّات لتحلية المياه، وترميم البنية التحتيّة من طرق وشبكات مياه منزليّة وصرف صحيّ، وهذه المشاريع تبلغ كلفتها قرابة ملياريّ دولار.
هذه الخطّة الإسرائيليّة، لو صدقت، تسعى لتحقيق مصلحة الجانبين: إسرائيل معنيّة بتحقيق تهدئة أمنيّة في القطاع عبر تحسين ظروفه المعيشيّة، والحصول على أيدي عاملة فلسطينيّة رخيصة، وحماس تريد تخفيف معدّلات البطالة العالية في القطاع، وإحداث تطوّر جديّ بكسر الحصار المفروض عليه، مع أن هذه المناطق الصناعيّة ستكون بإشراف إسرائيليّ، مما يعني أن يبقى تحسين الأوضاع الاقتصاديّة في غزّة مرهوناً بإسرائيل.
اللافت أن السلطة الفلسطينيّة بدت غاضبة من هذه الخطط، بزعم أنها جزء من صفقة القرن وتتطابق مع مخطّطات مؤتمر البحرين الاقتصاديّ، لكن هذه النبرة الغاضبة، سرعان ما قد تتراجع في حال بدأ تطبيق هذه الخطط الاقتصادية في غزّة، إن تحقّقت منها عوائد ماليّة تعود على خزينة السلطة، في ظلّ أزمتها الماليّة الخانقة