تهويد واستيطان إسرائيلي مستمر في قلب مدينة الخليل، تنغيص يسيطر على حياة المواطنين الفلسطينيين بعشرات الحواجز العسكرية الإسرائيلية، الاستيلاء على الحرم الإبراهيمي وعزله عن محيطه الإسلامي، وهدم سوق الخضار، وإقامة بؤر استيطانية في قلب الخليل، وعزل المناطق الفلسطينية عن بعضها بعضًا، بهذا الواقع الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي أصبحت مدينة الخليل وحيدة في مواجهة هذا التهويد المستمر لكل أركانها وأزقتها، في ظل ضعف موقف السلطة الفلسطينية.
تحولت المدينة إلى هدف مباشر لمشاريع الاستيطان والتهويد الإسرائيلية، بإيعاز من وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت، بعد أن بعثت "الإدارة المدنية" للاحتلال الأسبوع الماضي رسالة إلى بلدية الخليل طالبت فيها البلدية بالموافقة على هدم سوق الجملة في قلب المدينة من أجل إعادة بنائه من جديد، ليصبح ممكنًا إقامة بؤرة استيطانية جديدة، وإضافة طابق فوق السوق يضم 70 وحدة سكنية للمستوطنين.
وهددت إدارة الاحتلال في الرسالة بأنه إذا لم تستجِب بلدية الخليل للطلب خلال 30 يومًا، فإنها سوف تبدأ إجراءات قضائية لإلغاء مكانة البلدية كمستأجر محمي للسوق وذلك استكمالًا لخطط تهويدية سابقة، بحسب المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان.
من جانب آخر، يعمل الاحتلال على ربط البؤر الاستيطانية المقامة في قلب الخليل ببعضها، لتغرس بذلك خنجرًا الاستيطان في قلب المدينة والهدف من ذلك ربطها بمستوطنة "كريات أربع"، في حين يتعرض أبناء الخليل للتضييق وانتهاكات من قبل قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين بهدف دفعهم للتهجير القسري من المدينة.
وصادر الاحتلال مؤخرًا 1500 دونم من أراضي محافظة الخليل، في حين أفاد مركز "أبحاث الأراضي" بأن المستوطنين أقاموا 6 بؤر استيطانية جديدة على أراضٍ فلسطينية في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة خلال الأعوام 2017-2019م.
تهويد ممنهج
الناشط في مجال الاستيطان عيسى عمرو، يقول: إن "الاستيطان الإسرائيلي بمحافظة الخليل يؤثر على الناحية الاقتصادية، نتيجة استهداف الاحتلال للحرم الإبراهيمي وسعيه لعزله عن محيطه الإسلامي، وتعزيز الاستيطان وزيادة الاعتداءات على الفلسطينيين".
وأضاف عمرو لصحيفة "فلسطين"، أن أهداف الاحتلال باتت واضحة بالسعي لضم مدينة الخليل للاحتلال وتهويد المدينة، مشيرًا إلى أن الاحتلال خلال العامين الأخيرين أقر بناء 31 وحدة استيطانية بالبلدة القديمة، و17 وحدة في سوق الخضار.
وبين أن 43% من منازل البلدة القديمة في الخليل أصبحت فارغة من الفلسطينيين بسبب اعتداءات الاحتلال، مشيرًا إلى أن دور السلطة الفلسطينية ضعيف في مواجهة هذه الهجمة الشرسة، وهي منشغلة بملاحقة الناشطين الفلسطينيين الذين ينتقدون الفساد.
ويهدف الاحتلال لوصل المستوطنات بالخليل باتجاه مستوطنة "كريات أربع" وزيادة أعداد المستوطنين البالغة حاليًا بالمدينة 850 مستوطنًا إلى الضعف، يعيشون بين 230 ألف مواطن فلسطيني بالمدينة، مشيرًا إلى أن الاحتلال يهدف للسيطرة على معظم الأحياء التاريخية والاقتصادية وسط الخليل.
استيطان في قلب الخليل
يقول الخبير في مجال الاستيطان سهيل خليلية: إن استهداف الاحتلال الإسرائيلي لسوق الخضار بالمنطقة القديمة بمدينة الخليل والحرام الإبراهيمي ليس جديدًا، لكن كانت الفرصة في الفترة الأخيرة مواتية أمام الاحتلال بشكل غير مسبوق لفرض مخططاته، للاستيلاء على مناطق وتهويد البلدة القديمة بمدينة الخليل بتقسيمها السياسي (H2) والتي تقع تحت سيطرة الاحتلال وتشكل 20% من مساحة الخليل.
وأضاف خليلية لصحيفة "فلسطين": "إذا ما نظرنا لما قام به الاحتلال خلال الأعوام الماضية، بربط الأحياء ببعضها بعضًا من خلال طرق خاصة حصرًا للمستوطنين، نرى أن هذا المخطط الذي وافق عليه وزير جيش الاحتلال نفتالي بينت يعود لعام 2017م وتم وضع ميزانية تبلغ 6 ملايين شيكل لتنفيذه".
وأوضح أن طبيعة المخطط يتضمن إيجاد تجمع استيطاني مترابط جغرافيًّا من خلال طرق وممرات خاصة، له علاقة مباشرة بالحرم ويتم ربطها مع المستوطنات القريبة كمستوطنة "كريات أربع" والشارع الالتفافي رقم (60)، بمعنى إيجاد كينونة خاصة بالمستوطنين في قلب مدينة الخليل.
وتابع خليلية: "مشاريع الاحتلال بمدينة الخليل تهدف لتحقيق عدة أهداف أهمها زيادة عدد المستوطنين الذين يسكنون البلدة القديمة بشكل ممنهج، وهو ما هدف إليه مشروع طرح مؤخرًا حول سوق الخضار بالخليل".
ولفت إلى أن الاحتلال يحاول قطع أواصر الترابط الفلسطيني بالخليل مستقبلًا، مبينًا أن الاحتلال يحاول فرض صيغة دائمة فيما يتعلق بالصلاة بالحرم الإبراهيمي، من خلال مواعيد خاصة باليهود وأخرى للمسلمين، محاولًا إلغاء الوجود الإسلامي بمنطقة الحرم.
بحسب خليلية، سعى الاحتلال للتضييق سكنيًّا وتجاريًّا على الناس بالبلدة القديمة بالخليل، ودفع بالمستوطنين لتكثيف هجماتهم على الأهالي والتجار وارتكاب جرائم كبيرة، فضلًا عن فرض 82 حاجزًا عسكريًّا كلها هدفت لتنغيص حياة الأهالي بالبلدة القديمة بالخليل.

