تتزاحم الأوجاع الوطنية وتخترق سويداء القلب الفلسطيني, فما بين عدو متجهم لا يرقب فينا إلاًّ ولا ذمة, يواصل هجمته المسعورة تهويدا ومصادرة للأرض والمقدسات في فلسطين, تسانده في ذلك قوى الشر العالمي ممثلة بالإدارة الأمريكية بقيادة الأرعن دونالد ترامب, وأمام هذا الاختبار الصعب والاستهداف المدمر للقضية الوطنية, تسقط القيادة الفلسطينية الرابضة على القرار الفلسطيني تسلطا وانفرادا دون رؤية سياسية جامعة ودون امتلاكها مشروعاً وطنياً يلبي طموحات شعبنا في إنجاز الحرية والاستقلال, بل إن كل قراراتها وإجراءاتها تعمق الانقسام وتزيد من الشرذمة والفرقة والاستخفاف بالمجموع الفلسطيني .
قبيل فجر يوم أمس, هاجمت مجامع القوة الأمنية التابعة لسلطة الحكم الذاتي المحدود في رام الله, خيمة للأسرى المحررين المقطوعة رواتبهم ومخصصاتهم, هدمت خيمة الاعتصام واعتقلت مجموعة من الأسرى المحررين بعد تعرضهم للضرب والإهانة, وداست بساطير عسكر التنسيق الأمني على كل القيم الوطنية, التي تمجد الأسير وتحترم نضالاته وتقدر بذله وتضحيته على طريق معركة التحرير والانعتاق من الاحتلال الصهيوني, والأسرى مشاريع الشهادة وعناوين التضحية لهم كل الإجلال والإكرام على تضحياتهم بزهرة شبابهم في المعتقلات الصهيونية وهم من كان لهم الدور الكبير في مقاومة شعبنا للاحتلال عبر مراحل النضال الفلسطيني, وما يتلقونه من مخصصات ليس منة من رئيس أو وزير أو مسئول بل هذا واجب الكل الوطني ومؤسساته المسئولة عبر أداء دورها في إكرام الأسير في السجون وإكرامه عن تحريره بالتكفل له بحياة كريمة هو وأسرته وهذا أقل الواجب.
وما إن بزغت شمس ذات اليوم, حتى جاء خبر استشهاد الأسير سامي أبو دياك, الذي اجتمعت عليه ظلمات القهر والعدوان ظلمة تعلوها ظلمة, فمن ظلمة الأسر والزنزانة إلى ظلمة المرض ومنع العلاج, إلى ظلمة بُعد الأهل والاشتياق لهم, إلى ظلمة العجز واللامبالاة التي يظهر فيها المشهد الفلسطيني خارج السجن, جميعها اجتمعت في قلب الأسير الشهيد سامي فلم يعد القلب يتحمل كل ذلك فأسكن الروح وانتصر على سجانه بعد أن كسر قيده بمرضه, وداوى عجزنا بأن سكن جسده وتوقف نبض قلبه, سامي مضى شهيدا حرا كطائر الفينيق محلقا في السماء, سامي سيعيش طويلا في ذاكرة فلسطين, الشهداء لا يموتون, ستمتد حياته أكثر من السنوات المعدودة لهذا السجان الظالم وكيانه الزائل بإذن الله .
هل كان الشهيد الأسير أبو دياك لو قدر الله له, أن يخرج على قدميه من الزنزانة الصهيونية, أن يتعرض لما تعرض له إخوانه في الأسر على دوار المنارة برام الله, من الضرب والشتم والاعتقال لمجرد مطالبتهم بحقوقهم؟, سؤال بطعم العلقم في حلق كل غيور فلسطيني, سؤال برسم كل مؤسسات الأسرى, بعد أن شُطبت وزارتهم نزولا عند رغبة الاحتلال وداعميه الأمريكان, وهي الوزارة التي حرص الزعيم الشهيد ياسر عرفات, على استمرار برامجها الراعية للأسرى وعائلاتهم كجزء من رد الجميل.
يخرج شعبنا في الضفة البطلة في يوم الغضب رداً على الاعتراف الأمريكي بالمستوطنات وإضفاء الشرعية الزائفة على وجودها على أراضي أهلنا في الضفة المحتلة, هل كانت رسالة فض اعتصام الأسرى المحررين برام الله لإبطال دعاوى الخروج غضبا لقرار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أو التخفيف من قوتها وعنفوان جماهيرها , فمن يقاوم الاحتلال ويقع في الأسر سيكون مصيره كما ترون؟ .
انحراف المسار الوطني لجماعة أوسلو في الأداء السياسي العام, والممارسة الحزبية المقيتة في الوظيفة العامة لإدارات السلطة , واستمرار خطيئة التنسيق الأمني, والتعلق بأحبال عملية التسوية, وتمني لقاء نتنياهو والجلوس معه رغم رفضه لذلك لأكثر من عشرين مرة, يجعل من السلطة الذليلة تابعة لمنظومة الإدارة المدنية الاحتلالية , كما قال صائب عريقات في وقت سابق, وليتوقف كل أنصار السلطة عن ترديد مقولات وشعارات المشروع الوطني , فلم يعد هناك أي أثر أو شكل أو بقية لهذا المشروع الواهم .
وحتى يتوقف هذا الانحدار والتراجع الذي يصيب قضيتنا الوطنية ومسارها التحرري, يجب التداعي فوراً إلى ثورة تغيير وتصحيح وحدوية في داخل المؤسسة الفلسطينية الجامعة ومنظمة التحرير وإعادة ترتيبها وصياغة برنامج سياسي وطني قائم على مقاومة الاحتلال وعدم الاعتراف به الساعي لانتزاع حرية الأرض والإنسان الفلسطيني بكل وسائل القوة والمقاومة , بما يضمن تعزيز صمود شعبنا على أرضه ,واستمرار مقاومته ضد المحتل , وإفشال ومواجهة المخاطر والمؤامرات التي تتعرض لها قضيتنا الفلسطينية.