ما زال القرار الإسرائيلي الأخير إغلاق معظم مرافق الكيان خلال المواجهة الأخيرة مع غزة يترك انطباعات سلبية لدى أوساط واسعة بينهم، باعتباره قرارا ليس سليما، وليس حلا للمشكلة الأمنية، فليس مقبولا في كل مواجهة مع غزة، صغيرة كانت أم كبيرة، أن تضطر (إسرائيل) لأن تصاب بالشلل.
صحيح أن هناك خططا لدى قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لكنها ليست قابلة للتنفيذ على الأرض، فقد توفرت تقديرات عسكرية لدى الجيش الإسرائيلي مفادها أن التنظيمات الفلسطينية في غزة كسرت حاجز إطلاق قذائفها الصاروخية باتجاه العمق الإسرائيلي، بما فيها منطقة غوش دان و(تل أبيب).
تحققت التقديرات خلال يومي المواجهة بإطلاق 450 قذيفة، مع أن الخسائر الإسرائيلية متواضعة، لعوامل عدة متزامنة، كنجاح منظومة القبة الحديدية، وملاحقة الخلايا التي تطلق الصواريخ في غزة، وإنذارات قيادة الجبهة الداخلية، بصفارات الإنذار والتعليمات الميدانية، ومع ذلك فإن الدولة أعلنت الشلل التام للمرة الأولى منذ حرب الخليج في 1991.
شمل قرار إغلاق (إسرائيل) حظر فتح المدارس التي تضم مليون تلميذ، وثمانين ألفا من العاملين، ومنع خروج الموظفين غير الأساسيين، وبقي وسط (إسرائيل) معطلا، وبلغت خسائرها الاقتصادية مليار شيكل.
صحيح أن هذه السياسة المبالغ فيها بتوفير الحماية للإسرائيليين عنوانها عدم تحمل أي مخاطرة بهم، لكنها تطرح على دوائر القرار تساؤلات: هل أن التعليمات التي حولت شوارع (تل أبيب) مناطق أشباح، لا تمنح المقاومة في غزة صورة انتصار تبحث عنها؟ وهل نجح الفلسطينيون بإيصال صانع القرار الإسرائيلي إلى وضع يخشى فيه من وقوع خسائر؟
لكن السؤال الذي يستوقف الإسرائيليين يتعلق بالمواجهة العسكرية القادمة، ما يتطلب من قيادتهم السياسية والعسكرية محاكاة التعامل مع مواجهة مفترضة مع باقي المنظمات الفلسطينية، وربما انضمام جبهات أخرى، حينها سنكون أمام مواجهة غير مسبوقة، سواء من جهة الهجمات على الجبهة الداخلية، أو البنى التحتية الحيوية، أو استهداف مراكز التجمعات السكانية.
لا يتردد الإسرائيليون بالاعتراف أننا حينها سنكون أمام خسائر غير مسبوقة، وسقوط قتلى وجرحى غير مسبوقين، وفي هذه الحالة هل ستقرر (إسرائيل) إغلاق كل شوارعها ومرافقها الاقتصادية أسابيع متواصلة.
تتحدث التقديرات الأولية للمواجهة الواسعة القادمة عن سقوط مئات القتلى والجرحى الإسرائيليين، ووصول الخسائر الاقتصادية 17 مليار شيكل أسبوعيا، ما يدفع للقول إن جبهتهم الداخلية ليست مهيأة لهذه المواجهة.
أخيراً.. إن مواجهة غزة الأخيرة شكلت شهادة إضافية على أن (إسرائيل) غير مستعدة للمخاطرة المستقبلية، فالمواجهة القادمة ستشمل إلزام الإسرائيليين بعدم مغادرة بيوتهم، وإغلاق المؤسسات التعليمية، وإلغاء عمل المرافق التجارية، وهل من صورة هزيمة مدوية أسوأ من هذه تقع فيها (إسرائيل)؟!