فلسطين أون لاين

أبو ركاب: في الأسرة المفككة يحلّ الفتور.. وللآباء دَور

​علاقاتٌ رسمية بين الإخوة بذريعة "مشاغل الحياة"

...
صورة تعبيرية عن العلاقة بين الإخوة
غزة - هدى الدلو

نرى بعض العلاقات الأخوية طابعها رسمي، فمشاعر الألفة والمودة والحميمية تغيب عن طبيعة علاقاتهم مع بعضهم بعضًا، رغم أنهم تربوا معًا، وخرجوا من رحم واحد، وعاشوا تحت سقف واحد وجمعتهم "الحلوة والمرة"، ولكن البعض يعزو سبب تباعد العلاقات الأخوية بهذا المستوى إلى مشاغل الحياة ومشاكلها.

فنجد بعضًا علاقته مع صديقه أقوى من علاقته مع أخيه، إلى جانب أنه يَعلم أخباره وأسراره أكثر من أخيه ابن أمه وأبيه، التقرير التالي يتطرق إلى الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى هذا النوع من الفتور.

علاقة رسمية

تقول هند سامر (25 عامًا): "عندما كنا صغارًا لم تُحدد طبيعة العلاقة بين إخوتي، ولكن بعدما كبرنا أصبح لكل واحد منا عالمه الخاص المستقل به، وتحددت طبيعة العلاقة بالرسمية، واعتبر أن هذا النوع من العلاقة يحفظ لكل شخص حدوده ويدوم الاحترام فيما بيننا، فلا أحد يتدخل بالآخر".

وأوضحت أن العلاقة الرسمية بين الإخوة لا تجعل أحدًا منهم يفرض نفسه على الآخرين، ولكن في بعض الأحيان تشعر بانزعاجها من هذه العلاقة في التعامل كالأغراب مع بعضهم، وخاصة في حال وقع الأخ في مشكلة فيشعر باستيائه من علاقةٍ فيها فجوةٌ كبيرة.

اختلاف الزمان والمكان

بينما معاذ عبدالله (33 عامًا) يرى أن العلاقة بينه وبين إخوته يغلب عليها الرسمية في نقاشاتهم وأحاديثهم، فلديهم بروتوكول خاص في التعامل فيما بينهم، ولا يسمح لهم باختراق الحاجز.

ويوضح أن التواصل الحميمي بينهم اختفى لا سيما بعد زواجهم ووفاة والديهم؛ فأصبح لكل واحدٍ منهم حياته الخاصة، أي أنهم يعيشون حاليًا ضمن إطار العلاقة البسيطة، ونادرًا ما يلتقون باستثناء المناسبات والأعياد فقط، وأيضًا لتلاشي حدوث أي خلافات ومشاكل فيما بينهم.

أساس تربوي واجتماعي

وفي السياق ذاته، قال الأخصائي النفسي والتربوي إسماعيل أبو ركاب: "يعود سبب العلاقات المتباعدة والرسمية بين الإخوة إلى السلوكيات الاجتماعية فيما بينهم، وهي سلوكيات لها أساس تربوي اجتماعي داخل الأسرة، لذلك نجد أن الأسر الاجتماعية ينشأ أبناؤها اجتماعيين، والأسر المُعقدة والمنغلقة نجد الجفاء والبعد هي الطبيعة السائدة بين أفرادها".

وأوضح أن المَحكّ الأول في التقارب والبعد بيت الإخوة هو مقدار وعي الأبوين لتلك العلاقة ومدي إيمانهما بالألفة والتعاون والعيش تحت مفهوم المشاركة الاجتماعية.

وأشار أبو ركاب إلى أن للآباء دورًا مهمًا في تكوين المفاهيم سواء السلبية أو الايجابية لدى الأبناء، فمقدار السلوكيات الإيجابية والمنقولة من الآباء بشكلٍ مباشر للأبناء يمكنها أن تزيد من حجم التعاون والشراكة والشعور بالحب والألفة؛ وتلك هي أساسات التقبل التي من شأنها تعبيد الطريق أمام علاقةٍ متينة بين الإخوة، وإن كان عكس ذلك تولدت سلوكيات معاكسة من الجفاء والبعد.

وبين أن العلاقات السلبية بين الإخوة في الصغر لها ما بعدها، فأصل الجفاء والبعد فكرة تنتقل وتتدحرج إلى المستقبل فتتشكل مشاعر الكره والبغض والأنانية, ويتطور الأمر إلى درجة أخطر عندما تتحول تلك المشاعر السلبية إلى سلوكيات على شكل عدوان وغيره، فالحاضر نواة لتلك السلوكيات الشاذة التي تنمو وتترعرع داخل الأسرة مع الزمن.

ولفت أبو ركاب إلى أن الأسرة تعدّ البيئة الآمنة لجميع أفرادها, لذلك نجد أن الأسرة المفككة والتي تنعدم فيها العلاقات يصيبها "الفقر العاطفي"، ويتجه جميع أفرادها للبحث عن علاقات إيجابية خارج إطار الأسرة، ما يزيد من عمق وانحدار تلك العلاقة, فالضغوط النفسية والاجتماعية إن لم تجد لها ما يحتويها داخل الأسرة وخصوصًا بين الإخوة فإنها حتمًا ستكون عبئًا إضافيًا على مجموع أفراد الأسرة.

وتابع حديثه: "الفتور في العلاقة الاجتماعية بين الإخوة علامةٌ من علامات "المرض الاجتماعي"، ويكمن علاج ذلك المرض بوعي الوالدين والبدء في ترميم ما تم هدمه من تلك العلاقات، فالإهمال المتعمد أو غير المتعمد والجفاء والبعد بحجة العمل أو ضغوطات الحياة ليس مبررًا لاستمرار تلك المشكلة".

وحسب أبو ركاب فإنه مطلوبٌ من الأبوين الانتباه لطبيعة العلاقة بين أبنائهما، لأنه كلما كان العلاج والتدخل مبكرًا يكون أفضل، وعلى الآباء التأكد من أن العلاقات الفاترة والبعد والجفاء بين الإخوة في فترة الطفولة سيتطور إلى جفاء وبعد في الكبر؛ بل وسينعكس على طبيعة العلاقة بين الأبناء والآباء.

وختم حديثه: "سيعاني من تلك العلاقة الآباء أنفسهم؛ فالمبادرة في التقرب للأبناء ومحاولة المساواة بينهم وزرع المحبة بينهم والتقليل من حدة الإشكاليات التي تقع بينهم, جميع تلك السلوكيات من شأنها أن تزيد من حجم العلاقات الإيجابية وتزرع مفهوم الثقة بينهم".