بعد الجولة العدوانية الإسرائيلية على غزة، يبدو الحديث مشروعا عن المكاسب والخسائر التي عاد بها نتنياهو، وهل نجح في الظهور بشخصية "سيد الأمن"، مقابل ما مني به من خسائر سياسية وأمنية، بعد أن عاش الإسرائيليون يومين كاملين من حظر التجول خشية من صواريخ المقاومة؟
بدأ الحديث عن مكاسب نتنياهو السياسية فور اغتيال أبو العطا، حين صدرت اتهامات إسرائيلية علنية ضد نتنياهو، بالقول إن الاغتيال جاء لأسباب شخصية وحزبية بحتة، بعيدًا عن الحفاظ على أمن إسرائيل، رغم موافقة الإسرائيليين في عمومهم على الاغتيال، لكن مكمن الانتقاد لنتنياهو جاء بسبب التوقيت، ليس أكثر.
كان واضحًا منذ البداية أن قرار الاغتيال، ثم خوض المواجهة العسكرية، جاء أمنيًّا عسكريًّا بطعم سياسي حزبي، لكن المقاومة لم تمنحه ما يتفاخر به أمام خصومه، لأن الرد المفاجئ فوت عليه فرصة المباهاة بهذا الإنجاز الأمني والعسكري، ما جعله يرسل الوساطات منذ اللحظات الأولى للمقاومة، لوقف إطلاق النار.
ويمكن القول إن الأهداف السياسية والحزبية التي تطلع إليها نتنياهو من الاغتيال، ثم التصعيد، لم تتحقق، وأن نتائج هذه الجولة العدوانية لم تخدمه سياسيًّا وحزبيًّا، بدليل عدم نجاحه في تشكيل حكومة وحدة بقيادته والشراكة مع حزب أزرق-أبيض؛ ما يؤكد أن حساباته السياسية أخطأت منذ اللحظة الأولى، لكن ذلك لا يمنع القول أنه قد يغامر مجددًا إن تم الإعلان عن انتخابات ثالثة في فبراير، مع وجود وزير حرب جديد هو نفتالي بينيت بجانبه، ولديه طموحات شخصية.
هناك رأي إسرائيلي يعتقد أن نتنياهو كسب سياسيًّا من الجولة على المدى القصير، من خلال منعه تشكيل حكومة إسرائيلية مصغرة برئاسة غانتس، تحظى بدعم العرب، وهذا بنظره أهم إنجاز سياسي حزبي بالنسبة له، وبإمكانه أن يدعي أنه عزز الردع الإسرائيلي أمام الفلسطينيين.
مع العلم أن إعادة طرح موضوع غزة في قادم الأيام لن يكون في صالح نتنياهو، لأنه سيفقده مزيدًا من رصيده السياسي والحزبي، ما يجعلنا نرجح أنه سيواصل مستقبلًا بانتظار إجراء الانتخابات الثالثة سياسة الاحتواء للمقاومة في غزة، مع أن وجود بينيت وزير الدفاع الجديد قد يستغله نتنياهو لتصعيد قادم ضد غزة، من أجل تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية لكليهما معًا.
كل ذلك يؤكد أن جولة التصعيد في غزة، كانت قرارا سياسيًا من نتنياهو، توقيتا وأهدافا، للقضاء على فرص تشكيل غانتس للحكومة، وقد نجح، وتعزيز موقعه بمعسكر اليمين الإسرائيلي، خاصة بعد تعيين بينيت وزيرًا للدفاع، وقد نجح أيضًا.
لكن خسائره السياسية المتوقعة تمثلت ببداية ظهور الانتقادات ضده بأنه لم ينجح بالقضاء الكلي على المقاومة في غزة، وأن هذه الجولة كسابقاتها، لم يحقق فيها نصرًا كاسحًا.