ما لا تخطئه العين في عملية اغتيال أبو العطا المصالح الحزبية والسياسية التي حركت نتنياهو حين اتخذ القرار، فالرجل يواجه جملة سيناريوهات صعبة وخطيرة على صعيد مستقبله السياسي: فإما أن يذهب الى انتخابات برلمانية ثالثة قد لا تمنحه فرصة تشكيل الحكومة القادمة، أو يقضي ما تبقى له من عمره في السجن بسبب اتهامات الفساد المتورط فيها، أو تتم الإطاحة به من داخل حزب الليكود لأن وجوده يعيق تشكيل حكومة وحدة مع حزب أزرق-أبيض.
فور انتشار خبر اغتيال أبو العطا، انقسم الإسرائيليون في قراءتهم للحدث، رغم أن غالبيتهم أعربوا عن تأييدهم له، لكنهم يخطئون حين يعتقدون أن الحل الأسهل والأسرع للتوتر الأمني المتواصل على حدود غزة، يمكن باللجوء لأسلوب التصفيات الجسدية بحق أبو العطا وسواه من قادة المقاومة الفلسطينية، ورغم أن الحركة الوطنية الفلسطينية قد تخسر هذا القائد أو ذاك، لكنه في نهاية الأمر لن يقضي على المقاومة المُسلحة.
إن أقصى ما تحقّقه الاغتيالات هو تهدئة الإسرائيليين المذعورين، والإثبات لهم أن أمنهم ما زال فاعلًا، فضلا عن محافظتها على مستوى متصاعد من الكراهية والخوف ضد الفلسطينيين الساعين للتحرر والاستقلال، ورفع حصار غزة، فضلا عن أن الاغتيالات ستقضي على فرص نجاح العملية السياسية، الميتة أصلا.
تدرك إسرائيل أكثر من سواها أن الاغتيالات التي تصادق عليها تسفر عن إشاعة المزيد من أجواء الكراهية والخوف بين العرب والفلسطينيين، وتزيد من دوافع الانتقام والثأر لديهم، والنتيجة أن أي انتقام فلسطيني عربي سيولد انتقاما إسرائيليا في المقابل؛ لأن العين بالعين منطق مقبول في الشرق الأوسط، وبهذا المنطق تورط إسرائيل نفسها.
إن الإسرائيليين الذين يدافعون عن اغتيال أبو العطا، بزعم أنه يهدف لإعاقة العمليات المسلحة، أو القضاء عليها، بإمكانهم أن يتعرفوا على أحوال ومعدلات هذه الهجمات، حينها سوف يدركون أن المقاومة الفلسطينية لا تتنفس فقط، تضرب وتطلق النار، بل تنجح بإقامة ميزان من الردع والتهديد مع الجيش الإسرائيلي، الأكبر والأخطر في المنطقة.
أخيرا.. تتفق التقديرات الفلسطينية والإسرائيلية أننا أمام جولة تصعيد ميداني أكثر من سابقاتها، في ظل رفع إسرائيل لوتيرة العدوان هذه المرة، واجتيازها لخطوط حمراء خطيرة، لأننا أمام أول اغتيال علني مكشوف منذ تصفية أحمد الجعبري القائد العسكري السابق لحماس في 2012، وأسفر حينها عن جولة تصعيد قوية استمرت أسبوعا كاملا، مما يجعلنا أمام نسخة مطورة منها، في ضوء ما حازته المقاومة الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة من قدرات كمية ونوعية، ستجد طريقها في المدن الإسرائيلية خلال الساعات القادمة.