استكمالًا لمقال الأمس حول ما كشفته الوكالة اليهودية عن خطة سرية لتشجيع الهجرات اليهودية لـ(إسرائيل)، فإنه يصعب إحصاء هجرة اليهود العكسية من (إسرائيل)، لأن اليهود حاملي جنسيتها يبقون مقيمين في الخارج فترات طويلة، وعددهم 80 ألفًا، في المقابل تركز إسرائيل جهودها نحو الدول الغربية وأمريكا اللاتينية لاستقطاب الهجرات منها.
كثير من المهاجرين اليهود تجاه (إسرائيل) يأتون بدوافع اقتصادية، في حين تحاول الوكالة اليهودية إضفاء دوافع قومية وعقائدية عليها، مع الحاجة الإسرائيلية لزيادة عدد المهاجرين اليهود في ظل الفجوة الكبيرة بين (إسرائيل) ويهود الولايات المتحدة، وتزايد نسبة يهود العالم الذين لا يشعرون أن إسرائيل وطنهم القومي، قياسًا بالبلد الذين يعيشون فيه حاليًا.
من البنود التي تركز عليها الخطة الجديدة للوكالة اليهودية ضمن تعزيز هجرة اليهود لـ(إسرائيل)، زيادة شعور اليهود بالانتماء لها، مع تراجع هذه النسبة، حيث أكد 52% من يهود أمريكا عدم مبالاتهم بإبادة (إسرائيل)، ونسبة الشبان اليهود الذين يشعرون بارتياح لوجود (إسرائيل) لا تتعدى 54%.
كما تتزامن الدعوة اليهودية الجديدة مع ظاهرة الهجرة المعاكسة من (إسرائيل) التي وصلت ذروتها في انتفاضة الأقصى والعمليات الفدائية، لكنها اليوم باتت لأسباب أخرى وتتمثل بهجرة الأدمغة والعقول والكفاءات العلمية ممن يهاجرون إسرائيل لأمريكا بالذات، فتريد الوكالة اليهودية تعويض النقص في هذه الكفاءات.
يتزامن صدور الدعوات اليهودية لتشجيع الهجرات من الخارج مع زيادة الحديث عن ضم الضفة الغربية، والأزمات الأمنية حول العالم، بما فيها تنامي مظاهر معاداة اليهود في الدول، وكثرة الحديث عن الخطر الديموغرافي الفلسطيني، وتركز الوكالة على استجلاب اليهود من فرنسا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى وأمريكا اللاتينية وأوكرانيا.
وتكشف الخطة اليهودية الجديدة لتعزيز الهجرة لـ(إسرائيل) تتزامن مع المعطيات الإحصائية الإسرائيلي نسبًا متفاوتة من أعداد اليهود المهاجرين من (إسرائيل) إلى الخارج، حيث يبلغ متوسطها سنويًّا هاجر منها 14 من كل ألف إسرائيلي.
ومن تفسيرات هذه الهجرة الفجوة في الناتج المحلي للفرد بين (إسرائيل) والدول الغربية، وبات واضحًا أن قوة جاذبية الاقتصاديات الغربية، والأمريكية خصوصا، تدفع الإسرائيلي للتوجه نحو زيادة معدلات ربحه، واستفادته المالية، بما يزيد على ضعف ما يحصله في (إسرائيل).
تسلط الخطة الإسرائيلية الجديدة لتشجيع الهجرة اليهودية الضوء على ما يميزها عن دعوات سابقة، ومنها أن الهجرات اليهودية تشهد حالة من التذبذب وعدم الاستقرار.
لكن السبب المباشر اليوم وجود حالة متراجعة من العلاقة بين يهود العالم و(إسرائيل)، ورغبة الوكالة اليهودية بجسر الفجوة بينهما، وزيادة انخراط يهود العالم بشؤون (إسرائيل) بعيدًا عن حالة الاغتراب التي يعيشونها، فضلًا عن محاولة الحركة الصهيونية استغلال ظواهر معاداة اليهود حول العالم لتشجيعهم للهجرة لـ(إسرائيل)، خاصة في دول غرب أوروبا.