شهدت الأيام الأخيرة شروع الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ سلسلة من المشاريع طويلة الأجل تمهيدا لتطبيق سيادتها على الضفة الغربية، عبر خطة استيطانية واسعة النطاق تشمل شق شوارع جديدة، وتفعيل القطارات والمواصلات العامة على الطرق الاستيطانية، للإسهام في فرض السيادة عليها، ويقود هذه الخطة وزير النقل والمواصلات بيتسلئيل سموتريتش، أحد قادة المستوطنين.
يخفي هذا المخطط الاستيطاني رغبة جامحة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي يدرك أن الانتخابات الثالثة قادمة لا محالة، ويسعى للامتثال لطلبات المستوطنين بكل ثمن، في حين أن الوزراء اليمينيين يسعون لتحسين مواقعهم الانتخابية على حساب الفلسطينيين عبر هذه المشاريع الاستيطانية.
مع العلم أن هناك توجهات إسرائيلية عامة لتعزيز الاستيطان، لاسيما في مناطق الأغوار وجنوب الضفة، بجانب مناطق "ج" التي تشكل مساحتها 55% من إجمالي الضفة، وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة، مع 422 تجمعا استيطانيا ومستوطنة ومعسكر جيش وفضاء سيطرة، تحوز 78% من مساحة الضفة.
يسعى هذا المشروع الاستيطاني على المدى البعيد لتهويد الضفة على حساب الفلسطينيين، وقتل حل الدولتين، وقطع الطريق أمام أي مفاوضات قادمة، لأن إسرائيل بهذه الحالة فرضت وقائع على الأرض، وبعد أن كانت تطلق قبل عدة سنوات وصف مستوطنات "معزولة" على بعض التجمعات الاستيطانية، تمهيدا لإزالتها في أي حل سياسي قادم مع الفلسطينيين، لكنها اليوم تقوم بتسمين هذه النقاط الاستيطانية، وتضخيمها، تمهيدا للسيطرة الكاملة على الضفة بأسرها.
الناظر لهذا المشروع الاستيطاني، وآليات تنفيذه على أرض الواقع، سيخرج بنتيجة مفادها أن تحقيقه يتطلب تفتيت أراضي الضفة، وتشتيتها بين كل مدينة فلسطينية وأخرى عبر عشرات المستوطنات، تمهيدا لإعلان دولة الاستيطان، وتبعاتها على مختلف مناحي الحياة الفلسطينية: الزراعية والاقتصادية والسير على الطرقات، وقضم المشاهد الخضراء التي تمتاز بها الضفة.
تأخذ المشاريع الاستيطانية الجارية بهذه المرحلة أربع مناطق جغرافية: الأغوار، القدس ومحيطها، جنوب فلسطين، والوسط وصولا لمناطق التماس، مما يعني تغولاً وسيطرة احتلالية مقابل فشل السلطة الفلسطينية بتحقيق تمدد جغرافي بشري للفلسطينيين.
لذلك يبدو من الصعوبة بمكان الحديث اليوم في ظل هذا المخطط الاستيطاني الجديد عن دولة فلسطينية فيما تبقى من مساحة جغرافية في الضفة، سواء غياب اتصالها مع غزة، أو عدم وجود كينونة مستقلة، باستثناء قيام كونفدرالية أو فدرالية مع الأردن، وصولا لفقدان القدرة على التواصل الجغرافي داخل الضفة ذاتها.
مع العلم أن هذا المشروع الاستيطاني الجديد يضاف لخمسة أحزمة استيطانية: شمالا ووسطا وجنوبا، تقسم الضفة بأسرها، يقيم فيها سيلا بشريا من المستوطنين يصل عدده 700 ألف، وإسرائيل تسابق الزمن لإيصاله إلى مليون مستوطن.