تواصل غزة إشغال الإسرائيليين على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والأمنية، مع استعصاء الحلول المطروحة في السنوات الماضية، بسبب التعنت الإسرائيلي، والاستمرار بفرض الحصار الظالم على هذه البقعة الجغرافية.
آخر هذه الحلول المقترحة ما أعلنته حركة "ضباط من أجل أمن إسرائيل"، التي تضم أكثر من مائة من كبار الجنرالات السابقين، ممن يدعون للتوصل الى حل سياسي مع الفلسطينيين، وهي خطة تدريجية، تشمل ثلاث مراحل أساسية: وقف إطلاق النار وترسيخه، إعمار القطاع وتطويره، وإعادة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع.
مع أن الربط بين هذه المكونات الثلاث يقف على ثلاث اشتراطات استباقية لكل عملية على حدة: فدون إعادة إعمار القطاع لن يكون هناك وقف مستقر لإطلاق النار، ودون استقرار وقف إطلاق النار لن تتبرع الدول المانحة بأموالها للاستثمار في القطاع، ودون عودة السلطة الفلسطينية للقطاع لن تتطوع الدول المانحة لدعم حماس هناك، ولن تضخ قرشا واحدا إلا بعودة السلطة.
في الوقت ذاته، هناك تحديات ثلاث تعترض تنفيذ الخطة، أولها الرفض الإسرائيلي لتسهيل عودة السلطة الفلسطينية للقطاع، وهذا الرفض يخدم من الناحية الاستراتيجية بقاء حالة الانقسام بين الضفة وغزة، ويقصد منه انتزاع شرعية تمثيل السلطة لجميع الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم، وبالتالي الحيلولة دون الدخول بمفاوضات مع إسرائيل.
ولذلك فإن هذا الرفض الإسرائيلي قد يتطلب من الحكومة القادمة الذهاب إلى استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، لأن ذلك قد يسفر عنه إشراك الولايات المتحدة ومصر، ثم انضمام شركاء آخرين مثل الأردن والسعودية والإمارات، وهذا التحالف الواسع سيستخدم سلسلة طويلة من العصي والجزرات القوية والمؤثرة التي تستطيع التغلب على التحدي الثاني المتمثل بمعارضة السلطة الفلسطينية العودة لقطاع غزة، في ظل وجود تباين داخل قيادة السلطة حول هذه الفرضية، بين من يؤيد العودة للقطاع، ومن يرفضها، حيث يترأس محمود عباس فريق المعارضين.
التحدي الثالث يتمثل في حماس التي تسأل نفسها: لماذا تتنازل عن الحكم في غزة؟ وقد اتخذت الحركة استراتيجية جديدة بموجبها يتم الانسحاب التدريجي من الإدارة الكاملة للقطاع، والعودة لما كانت عليه من العمل الاجتماعي الخيري مع الفلسطينيين، تحضيرا مستقبلا للتنافس على القيادة الفلسطينية كلها، وليس في غزة فحسب، مما جعلها ترسل رسائل تصالحية للسلطة الفلسطينية حول ترحيبها بالقدوم إلى غزة.
هذه المبادرة إن رأت النور فقد توفر هدوء أمنيا بعيد المدى في غزة، بنظر أصحابها، تمهيدا للانفصال النهائي عن الفلسطينيين، وفي حال فشلت فلن يكون الوضع الأمني أكثر سوءا مما هو عليه اليوم، لأن الحكومات الإسرائيلية لن تضحي بجنودها في سبيل البحث عن بدائل لاستخدام مزيد من الضغط العسكري في غزة.