فلسطين أون لاين

بالوثائق.. القلعة أرض وقف والتعديات حرّمها الشرع

قلعة برقوق .. الآثار المسلوبة

...
غزة/ تحقيق- محمد أبو شحمة:

على مساحة 16 دونمًا وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، تتربع قلعة برقوق التاريخية التي شُيدت بأمرٍ من السلطان برقوق أحد سلاطين العصر المملوكي قبل 641 عامًا، إلا أنها اليوم لم تعد ملكًا للدولة، بل لعائلات فلسطينية تشغلها بالمباني السكنية والمحلات التجارية، بما يخالف القوانين والأنظمة.

وتكتظ مساحة قلعة برقوق بـ21 منزلًا يقطنها عائلات أفقدت القلعة قيمتها الأثرية والتاريخية، وحولتها إلى مكانٍ سكني، وأسوارها حولت إلى محلات تجارية يتم الانتفاع بها ماليا، إضافة إلى وجود ديوان عائلي بداخلها.

وتثبت الوثائق التي تم الحصول عليها أن قلعة برقوق أرض أثرية مسجلة ضمن القائمة الوطنية الفلسطينية والمعالم الأثرية، إضافة إلى صدور قرارات من مجالس بلدية خان يونس المتتالية بعدم السماح بالبناء أو البيع والشراء فيها؛ كونها مصنفة منطقة أثرية.

image

وتحدد خارطة تعود لعام 1964، صادرة عن وزارة الري المصرية إبان الحكم المصري لقطاع غزة، أرض القلعة وسط مدينة خان يونس أنها منطقة أثرية، وتقع ضمن قسيمة 31 و32.

image


وتظهر إحدى الوثائق أن جميع البيوت الموجودة داخل القلعة عبارة عن أمر واقع، ولا توجد أي تراخيص رسمية مسجلة لها من قبل البلدية، أو تمديد أي اشتراكات مياه رسمية لها بسبب وجودها ضمن مناطق أثرية، وهو ما يثبت أنها ملك للدولة.

وحصلت صحيفة فلسطين على وثيقة مرسلة من حاكم غزة عام 1946 إلى بلدية خان يونس، جاء فيها أن دائرة الآثار قررت عدم إعطاء أي رخصة للبناء ضمن حدود قلعة برقوق الأثرية في المدينة.

وتكشف وثيقة مرسلة في عام 1929 من رئيس أوقاف غزة محيي الدين الشهابي إلى رئيس المجلس الإسلامي الأعلى أن القلعة والساحة التي تقابلها تعدان أرض وقف إسلامي، لأن فيها مئذنة ومسجدًا داخل القلعة.

image


ويؤكد مدير دائرة المخطوطات بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية عبد اللطيف أبو هاشم أن قلعة برقوق مصنفة من وزارته أنها آثار إسلامية.

ووثق معد التحقيق من خلال تقصيه وبحثه في أرشيف بلدية خان يونس من عام 1929 حتى 2017، عدم منح أي مجلس بلدي في هذه الفترة، أي رخص بناء داخل القلعة لأي من البيوت القائمة؛ نظرًا لأنها تقع ضمن الحدود الأثرية.

image

وحصل على كتاب رقم 15/ 94 موقع في 21 أغسطس/ آب 1994، من مدير دائرة السياحة والآثار محمد معين صادق في حينها، لرئيس البلدية، يفيد بعدم إعطاء أي ترخيص ضمن المنطقة المحيطة بالموقع الأثري، كونها مكانا تراثيا.

image


أمر واقع

وقد أقرت بلدية خان يونس عام 1946 مشروع "تنظيم القلعة"، الذي تضمن عدم إقامة أي بناء جديد داخل أسوارها، وترحيل الأسر المتعدية على مبانيها، ومنع استخدام المواد الإنشائية الحديثة في ترميمها، ووضع مخطط لإنشاء حدائق ومتنزهات من جهاتها الأربع؛ لتكون معلمًا سياحيًا ورئة تتنفس منها المدينة.

سلطة الأراضي "الطابو"، وعلى لسان عصام الحمارنة، المدير العام للإدارة العامة للأراضي والعقارات (مسجل أراضي غزة)، أكدت أنها بعد الرجوع إلى دائرة المساحة العامة والحصول على الخارطة الخاصة بالموقع الأثري لقلعة برقوق تبين أنها تقع على القسائم "31 و32" من القطعة رقم 112.

وأضاف الحمارنة أنه بعد الرجوع إلى سجلات "الطابو" في سلطة الأراضي تبين أن القسائم المذكورة غير مسجلة لدينا، وإنما في دائرة الضريبة والأملاك.
 

image

والعائلات الموجودة داخل القلعة تؤكد أنها تمتلك أوراق ملكية لبيوتها منذ فترة طويلة، لكن المدير العام لضريبة الأملاك في محافظات قطاع غزة، حسيب الراعي، يؤكد في شهادة أدلى بها أمام محكمة العدل العليا، في القضية التي رفعتها جمعية لرعاية التراث عام 2010، رقم 103/ 2010، التي كان موضوع ادعائها المغلف (إزالة التعديات عن قلعة خان يونس وإعادة إعمارها) أن الوثائق الموجودة مع العائلات داخل قلعة برقوق مسجلة كـ"أمر واقع"، ولا تعد سندات ملكيّة.

رئيس جمعية القلعة للتراث محمد الفرا، يؤكد أن قلعة برقوق أرض تراثية، ويجب على الجهات الرسمية إخراج العائلات التي تسكنها؛ للحفاظ على هذا المكان الأثري.

ويقول الفرا: "جميع النقوش الموجودة على القلعة التي بنيت عام (789 هجريا، 1378 ميلاديا)، تؤكد أنها أرض وقف إسلامي كونها يوجد بها مسجد ومئذنة".

وعن الحكم الشرعي للبناء في أراضي الوقف الإسلامي، يؤكد الدكتور بسام العف، أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأقصى ، أن البناء في أرض الوقف الإسلامي يعد تعدياً ولا يجوز شرعاً.

ويقول: "إذا ثبت أن الأرض وقف، ويوجد تعدٍ عليها، يحق للجهات الرسمية إخراجهم منها وتعويضهم بدل البناء الذي أحدثوه".

وتحظر المادة 18 من قانون الآثار القديمة رقم 5 لسنة 1929 أن يحفر أي شخص في أي بناء أو موقع تاريخي أو بجواره القريب، أو أن يشيد أي بناء عليه أو يغرس أشجارًا فيه.

ويمنع القانون أن يقوم أي شخص بأعمال قلع الحجارة أو الري وحرق الكلس أو ما يشبه هذه الأعمال أو أن يكون فيه تراب أو نفايات أو أن ينشئ مقبرة عليه دون إذن من المدير (مدير السياحة والآثار).

أرض حكومية

المستشار القانوني لبلدية خان يونس خليل بكري، يؤكد أن قلعة برقوق تملكها الدولة، وأرضها حكومية، يمنع البناء أو الشراء أو التبديل فيها، لأنها مكان تراثي مسجل، ووجه خان يونس الحضاري، لذا "ملتزمون بالحفاظ عليه".

ويقول بكري: "نسعى للحفاظ على القلعة، فهي إرث حضاري، والسكان الموجودون داخلها بحاجة إلى حل، ونريد مبادرة وطنية شاملة تضمن إخراجهم منها ضمن توافق وطني، وتعويضهم بالتراضي بعيدًا عن الأمور القسرية".

المدير العام للآثار والتراث الثقافي بوزارة السياحة والآثار د. جمال أبو ريدة، يؤكد أن قلعة برقوق مدرجة كموقع أثري يتبع للوزارة، ويجب أن تكون الأرض والبيوت القائمة عليها ممتلكات للوزارة.

ويقول أبو ريدة إن المواطنين قبل قدوم السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة استملكوا الأراضي داخل القلعة بشكل غير قانوني، ولا يوجد إمكانيات لدى الوزارة لتعويض البيوت داخل القلعة.

وأضاف أن القانون يقف مع الوزارة بعدم البناء داخل المباني التراثية، لكن في ظل الأمر الواقع الموجود نسعى للمحافظة على القلعة كموقع أثري، واستملاكها؛ لأنها جزء من تاريخنا.

وأوضح المؤرخ سليم المبيض، أن قلعة برقوق تعد وقفًا إسلاميًا؛ فهي عبارة عن مكان خدماتي عام، بمعنى أنها كانت تقف فيها القوافل التجارية، من خلال تجميع التجار في طابقيها الأول والثاني.

ويشير المبيض إلى أن القلعة ذات المساحة الضخمة ملحق بها جامع لا تزال قبته موجودة، ويوجد في أعلى بابها حجر منقوش عليه تاريخ بنائها واسم الذي بناها، وكان بها بئر مياه، وسور يحيطها من كل الاتجاهات، ويوجد فيها آثار، ما يؤكد أنها "وقف صريح"، عادًّا ما حصل داخلها من العائلات "اعتداءً عليها".

فترة الحكم العثماني

عائلة الأغا أبرز العائلات التي تشغل قلعة برقوق ويوجد ديوانها داخلها، توضح على لسان مازن الأغا أحد وجهائها، أن البناء والسكن بدأ في القلعة خلال فترة الحكم العثماني لقطاع غزة.

ويقول الأغا: "لم نجد في التاريخ ولا في وزارة الأوقاف ما يثبت أنها وقف إسلامي، وخلال الفترات الماضية سمح الحكام للعائلات بالسكن فيها، وهي تملك أوراقًا بتوارث البيوت وأنها أملاك لها".

ويشير إلى أن سكان القلعة يوجد معهم تراخيص بناء من بلدية خان يونس، وكذلك فإن ديوان العائلة حصل على ترخيص للبناء من البلدية عام 1946، إلا أن وثائق البلدية -التي حصل عليها معد التحقيق- تثبت عدم منحها أي تراخيص بناء داخل القلعة، ولا يوجد أي اشتراكات مياه لأحد من العائلات التي تسكنها؛ كون البلدية تصنفها منطقة أثرية.

ولفت إلى أن عائلة الأغا قدمت مبادرة إلى المسؤولين، ولكن لم تكن على درجة من التخطيط، وكانت تهدف إلى دفع تعويض لسكان القلعة، حيث هناك عائلات استعدت للخروج، وأخرى رفضت وهي الغالبية.

وأشار إلى أن المبادرة خلقت خلافات داخل عائلة الأغا كون هدفها ترحيل العائلات من داخل القلعة، وماتت المبادرة منذ إطلاقها، ولم ينفذ منها إلا إعادة بناء المسجد الكبير.

وبين أنه في حالة جاءت أي جهة رسمية مهتمة بالتاريخ والآثار ودفعت تعويضات للعائلات داخل القلعة، قد يتم التوصل إلى حلول من خلال المباحثات.

أحمد الجبور مواطن لديه منزل في قلعة برقوق ورثه عن والده، ولا يوجد لديه أي نية للتنازل عنه كونه "بيت أجداده"، كما يقول لـ"فلسطين".

الجبور يؤكد أنه لا يقطن في منزله داخل القلعة، ولكنه حول جزء منه إلى محل كونه يطل على شارع تجاري في وسط مدينة خان يونس.

وما بين تأكيدات الجهات الرسمية بأن قلعة برقوق مكان أثري يجب المحافظة عليه وإفراغه من أي سكان، تصر العائلات على بقائها بداخلها وعدم تركها، وهو ما يعد عجزًا رسميًا في الحفاظ على آثار إسلامية مسجلة.