يمكن القول، مؤقتاً: إنّ صفحة العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، قد تم طيها، على الأقل في ضوء المؤشرات الميدانية القائمة في الساعات الأخيرة، على جانبي الحدود حول القطاع.
لكن هذه الجولة القصيرة زمنياً، الثقيلة في حجمها، أشارت إلى أنه في الوقت الذي تتسلط فيه الأنظار الإسرائيلية للجبهات البعيدة كالعراق وإيران واليمن، فإن إطلاق صواريخ غزة كشف عن نقطة الضعف الإسرائيلية.
أكدت الجولة العدوانية مجددا أن استغلال الانشغال الإسرائيلي بالتركيز بعيدا، لا يعني التسليم بوجود حالة من الاستقرار في غزة، مما قد يتطلب بنظر من أطلق الصواريخ ممارسة مزيد من الضغط على تل أبيب.
لكن ذلك يشير وفق كل المعطيات إلى أن إسرائيل قد تقترب من اللحظة التي تضطر فيها للإجابة عن سؤال فيما إذا آن أوان تغيير السياسة تجاه غزة، من أجل إعادة الهدوء للحدود، مع أن الفلسطينيين يعلمون جيدا أن انغماس الأوساط السياسية الإسرائيلية بمسألة تشكيل الحكومة، وإمكانية الذهاب لانتخابات ثالثة يجعل الدولة في حالة من عدم القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة.
يشير تتبع الردود الإسرائيلية على إطلاق القذائف الصاروخية من غزة أن سياستها تواصل تحميل حماس مسئولية ما يحصل في غزة، مما قد يدفعها لإلزام سواها من المجموعات المسلحة بمزيد من التنسيق المسبق، وهي بنظر الإسرائيليين سياسة متوازنة، قد لا تؤدي لتصعيد عسكري بسبب حسابات مختلف الأطراف.
الإشارة الأكثر وضوحًا أن الجيش يستغل هذه الجولات من التصعيد لضرب قدرات المقاومة العسكرية، وبناها التسلحية المتنامية، التي تنفق عليها أموالا طائلة، وهو أمر قد يكون مدعاة للتوقف عنده، واستحضار سياسة "جز العشب"، التي تنتهجها إسرائيل منذ سنوات، مما يتطلب تفويت الفرصة عليها.
نسأل، ويسأل آخرون: هل من المعقول أن يستغرق بناء قدرات قتالية ما فترة طويلة من الزمن، وإمكانيات مالية في ظل أزمة خانقة، وفجأة وبدون إنذار، يتم القضاء عليها بكبسة زر!
ورغم ذلك، فلا يمكن المراهنة على هذه السياسة الإسرائيلية طويلًا، لأنها تجعل مستوطني الجنوب رهائن بقرارات القادة العسكريين في غزة، مما قد يؤكد أننا بتنا نقترب أكثر فأكثر من اللحظة التي سيضطر فيها الكابينت الإسرائيلي من اتخاذ قرار بإعادة الهدوء والاستقرار النسبي إلى حدود غزة، من خلال الدمج بين عدة وسائل من بينها مهاجمة أهداف حيوية، وربما اغتيالات موضعية.
لكن مثل هذا القرار مرهون بأمرين اثنين، أولهما المدى الزمني الفاصل بين كل إطلاق للصواريخ على المستوطنات الجنوبية، وثانيهما إمكانية سقوط قتلى أو مصابين في صفوف الإسرائيليين، وهو ما يشير إلى أن الجولة القادمة من التصعيد باتت مسألة وقت ليس أكثر.