فلسطين أون لاين

تغنى الشعراء بالنبي فأصابوا وحادوا

...
غزة/ أسماء صرصور:

الشعر على مدار التاريخ الإسلامي كله، كان سلاحًا في الدعوة وسلاحًا محرضًا على الجهاد في سبيل الله، ومن ذلك ترديد النبي عليه الصلاة والسلام شعر أحدهم في غزوة الخندق، وبعض الصحابة الذين كانوا يرددون أشعارًا عن الجهاد.

لكن ماذا حوت الأشعار عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهل بالغت في بعضها مبالغة قد تصل إلى خلل عقدي؟ رئيس رابطة الأدباء والكتاب الفلسطينيين وأستاذ الأدب والنقد في الجامعة الإسلامية البروفيسور عبد الخالق العف يخبر قراء صحيفة "فلسطين" بالتفاصيل في السياق التالي:

يلفت البروفيسور العف إلى أن حسان بن ثابت رضي الله عنه كان يدافع عن السيرة النبوية وعن عرض النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه الشريف، وكان يقول النبي صلى الله عليه وسلم لحسان اذهب إلى أبي بكر يخبرك بأنساب القوم حتى تهجوهم، اهجهم وروح القدس معك، اهجهم وجبريل معك.

ويذكر قول السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي وضع لحسان منبرًا بجوار منبره، فالنبي يخطب الناس في الخطبة الشرعية، وحسان يخطب بالشعر دفاعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وتبيانًا لصفاته ومحاسنه.

وأما بخلاف حسان بن ثابت، يشير أستاذ الأدب والنقد إلى أن من الشعراء الذين أشعروا عن الرسول صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك، وكعب بن زهير، ولبيب بن ربيعة العامري، مضيفًا: "وهؤلاء هم أشهر من مدح النبي صلى الله عليه وسلم في عصره، بتبيان صفاته، ونسبه، وحسبه، والدفاع عنه".

ويوضح: "ثم في القرن السابع الهجري جاء البوصيري ومدح النبي صلى الله عليه وسلم، وفي العصر الحديث أمير الشعراء أحمد شوقي مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا، وشعراء المدائح النبوية كثر في العصر المملوكي منهم ابن الفارض الملقب بـ "سلطان العاشقين" وغيره من الشعراء".

وبسؤال رئيس رابطة الأدباء والكتاب الفلسطينيين عن المبالغة في بعض الأشعار عن النبي صلى الله عليه وسلم، يجيب: "بعد القرن الخامس بدأ المذهب الصوفي الفلسفي بالظهور، وفيه من المخالفات الواضحة لعقيدتنا الصافية وفي موضوع النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا أشعارًا فيها مبالغات".

ويتابع: "فتكاد بعض الصفات تصل إلى الألوهية، وهذا غير جائز في شرعنا، ومحمد رسول الله بشر مثلنا، وصحيح أنه معصوم ونبي من الله، لكن لا يمكن إعطاؤه صفات الألوهية، بأي تبرير كان"، منبهًا إلى أن الطريقة الصوفية كان لها بالغ الأثر في إضفاء المبالغة الشديدة على شعر المديح.

ويذكر البروفيسور العف مثالاً –لعل بعض القراء أو محبي النشيد لم ينتبهوا له- عن النشيد المشهور "قمر سيدنا النبي" وأن فيه بعض المبالغات، كأن يقول "لا ظل له" من قال إنه لا ظل له، هل هو إله، حتى يكون كله نور، وهذا مقطع غير جائز، فهو بشر له ما لصفات البشر من خلق الله.

وبالانتقال إلى عامة الناس، كيف لهم أن يعوا هذه ولا يقعوا فيها؟ يقول: "هنا يظهر دور المتخصصين سواء في الجانب العقدي أو النقاد الذين يمتلكون رصيدًا من العلوم الشرعية، ويعرفون أين تكمن المبالغة وأين الصواب".

ويعلق أستاذ الأدب والنقد: "سلطان العاشقين له قصائد خطيرة جدًا، والصوفيون يبررون هذه القصائد، ونحن لا نقبل هذه الأمور أن تكون على عواهنها، فعندما يقولون بأن المرأة سُكْر إلهي، فهذا كلام غير مقبول في شعرهم، وإن كان يتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه مغلوط".

ويشدد على أن هذه وظيفة المتخصصين أن يبينوا للناس هذه الأخطاء في كل المحاضن التربوية في المسجد، وفي المدرسة، وفي الجامعة، مضيفًا: "فمثلًا عندما كنت أدرس طلاب اللغة العربية "العصر المملوكي"، وخاصة شعر المدائح النبوية، كنت أقول لهم إن هذا صح وهذا خطأ، وكنت أبين لهم كي يبينوا لطلبتهم في المدارس".

أخيرًا يلفت رئيس رابطة الأدباء والكتاب الفلسطينيين إلى أن المؤسسة القطرية كتارا للموسم الثالث على التوالي تضع جائزة كبيرة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، ويشارك فيها أكثر من 15 ألفًا من شعراء العالم، ويُمنح الفائز لقب "شاعر الرسول"، ويأخذ أصحاب المراكز الثلاث الأولى مبالغ مالية قيمة.

وعن هذه الخطوة، يقول: "هذا جهد طيب يجب أن تحذو حذوه كل الدول، فهي فرصة لاستحداث شعر جديد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولربط الأجيال الحديثة به وليس فقط الاعتماد على الأشعار القديمة.