منذ انطلاق مسيرات العودة الأسبوعيّة شهدت غزة عشر جولات تصعيد عسكريّة مع (إسرائيل)، وآخر عدوان شهدته غزّة قبل الساعات الأخيرة، كان في سبتمبر، حيث مرّت ستة أسابيع دون توتّر، وساد هدوء شبه تامّ الحدود الفلسطينيّة-الإسرائيليّة مع غزّة، ما دفع للتساؤل عن سبب هذه الحالة الهادئة.
ابتداء فإن (إسرائيل) هي من تبادر بالاعتداءات على الشعب الفلسطينيّ، والمقاومة تردّ، لكن لأنّ (إسرائيل) تعيش حالة فراغ سياسيّ بعد جولتي الانتخابات السابقتين، فهي تتجنّب مهاجمة غزّة، وتخفّف من استفزازها لها.
من التساؤلات التي يطرحها الفلسطينيّون والإسرائيليّون عن عوامل استتباب الهدوء، وعدم اندلاع أيّ جولات تصعيد في غزّة: هل هي خشية المقاومة من رد الفعلّ الإسرائيليّ الكبير الذي قد يؤدّي لحرب شاملة، أم الرغبة الفلسطينيّة-الإسرائيليّة بانتظار مآلات التوتّر الإقليمي، وتطلّع الفلسطينيين لمعرفة التحرّكات السياسيّة في (إسرائيل) بسبب أزمة ما بعد الانتخابات الأخيرة، والوعود الإسرائيليّة بالإسراع في تنفيذ التفاهمات الإنسانيّة؟
أثبت القصف الإسرائيلي ليلة الجمعة-السبت أن هدوء غزّة مخادع، فأسباب تفجير الموقف حاضرة، مع أن استمرار الهدوء في غزّة يعطي إشارة لـ(إسرائيل) والإقليم والمجتمع الدوليّ إلى أنّ حماس هي عنوان القطاع، تتحكّم بمفتاح التصعيد أو الاستقرار، وللعلم فإن القوى الفلسطينية تبدي انشغالا أكبر بالقضايا الداخليّة، واعتبار استمرار الهدوء في غزّة أولويّة ملحّة، تمهيداً لحلّ الأزمة الاقتصاديّة التي لن تحلّ إذا اندلع تصعيد عسكريّ مع (إسرائيل).
من الأهمية التأكيد على حقيقة أن المقاومة لا تبحث عن تصعيد مع (إسرائيل)، لكنّها مستعدّة لأسوأ الاحتمالات، وهي تتابع الخلافات الإسرائيليّة، ومعنيّة بألّا يصدّر نتنياهو مشاكله الداخليّة لجبهة غزّة.
من التفسيرات السائدة في غزّة للهدوء الأمني، إدراك الفلسطينيّين أنّه قد لا يكون صواباً الذهاب لتصعيد عسكريّ مع (إسرائيل) وسط السيولة السياسيّة التي تعيشها، مع رغبة فلسطينيّة باستمرار تدفّق الأموال القطريّة والمشاريع الاقتصاديّة، وهي مدعاة لهم للموافقة على استمرار الهدوء، واحتواء أيّ توتّر ينشب في القطاع.
تتسلّح المقاومة بترسيخ حالة الهدوء في غزّة بتأييد الرأي العامّ الفلسطينيّ لهذا الهدوء، وعدم رغبته في الذهاب للتصعيد، والضغط على المجموعات المسلّحة التي تفتعل التوتّر مع (إسرائيل)، مع أن الحديث عن الهدوء، والحاجة إليه في غزة، لا ينفي أنه قد يسبق العاصفة، فتاريخنا مع الحروب الإسرائيليّة مليء بالخداع والمفاجآت، لكنّ أوضاع الإقليم المتفجّرة قد لا تسمح باندلاع تصعيد عسكريّ واسع في غزّة.
يخدم الهدوء الحذر في غزّة الفلسطينيّين والإسرائيليّين معاً، فالمقاومة تريد التقاط أنفاسها، وأخذ استراحة محارب، وترميم قدراتها العسكريّة، أمّا (إسرائيل) فمنشغلة داخليّاً بأزمة سياسيّة ودستوريّة مستعصية على الحلّ، وعيونها مفتوحة على الإقليم المشتعل حولها، ما يجعل غزّة ملفّاً غير عاجل، بل ينتظر التأجيل لإشعار آخر!