في ظل الحديث عن إجراء انتخابات شاملة في الأراضي الفلسطينية (قطاع غزة والضفة الغربية)، يبقى التساؤل القائم هل يُمكن أن تشمل هذه الانتخابات مدينة القدس المحتلة التي تعدُّ مركز الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر منذ عقود؟
وتعيش مدينة القدس مرحلة صعبة في الوقت الراهن نتيجة المتغيرات السياسية التي تتزايد عليها بسبب الإجراءات الإسرائيلية، المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، التي أعلنت قبل عامين أن القدس عاصمة للكيان ونقلت سفارتها لها.
وإزاء ذلك تُطرح تساؤلات عدَّة قبل إجراء الانتخابات، أبرزها هل ستسمح سلطات الاحتلال بإجراء الانتخابات وتوجه المقدسيين لصناديق الاقتراع؟ وما أبرز المعوقات التي ستضعها أمامهم؟
المواطن المقدسي محمد الطويل أبدى تأييده المُطلق لإجراء الانتخابات في مدينة القدس المحتلة، كما باقي الأراضي الفلسطينية.
وأوضح الطويل خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين"، أن المقدسيين سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع، متوقعًا أن يفرض الاحتلال تهديدات وعقوبات على المرشحين والمنتخبين، في محاولة لثنيهم عن الانتخاب.
ولم يستبعد أن يُعاد سيناريو الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2006، إذ فرضت سلطات الاحتلال عقوبات أبرزها الإبعاد ضد النواب المنتخبين في القدس.
وبيّن أن الاحتلال يكثّف إجراءاته العنصرية في المدينة المقدسة في الآونة الأخيرة، وهو ما سيؤثر سلبًا في إجراء الانتخابات.
بدوره أكد الخبير في الشأن المقدسي د. حسن خاطر، أن القدس تعيش أوضاعًا صعبة، ستؤثر سلبًا في إجراء الانتخابات، مرجحًا أن يهدد الاحتلال المقدسيين الناخبين بالعقوبات.
وقال خاطر خلال حديثه مع "فلسطين": إن الاحتلال لديه وهم أن القدس عاصمة له، وعليه لن يسمح بانتخابات تتبع للسيادة الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الأمور ستكون معقدة في المدن التي تقع داخل جدار الفصل العنصري الذي بناه الاحتلال حول مدينة القدس.
وأوضح أن مدينة القدس تشهد في الوقت الراهن تغيرات جذرية تزيد تعقيد إجراء الانتخابات مثل الاعتراف الامريكي بالقدس عاصمة للاحتلال وإصدار قانون القومية وقانون القدس الموحدة من الكنيست الإسرائيلي، في محاولة لفرض الهيمنة الكاملة عليها.
وأضاف خاطر: "ستكون معركة الانتخابات في القدس إما إثبات القدس أراضي محتلة كما في القانون الدولي، أو أن ينجح الاحتلال في قطعها عن الأراضي الفلسطينية عبر استخدام القوة والابتزاز".
وتوقَّع أن تقتصر الانتخابات حال إجرائها على القرى والبلدات التابعة لمحافظة القدس وتقع خارج الجدار العنصري، نتيجة سياسات الاحتلال.
وتابع: "إذا تم تهديد المقدسيين الذين يشاركون في الانتخابات بسحب الهويات وغيرها، سيؤدي هذا الأمر إلى بلبلة قد تفضي لمشاركة ضعيفة أو عزوف عن الانتخابات".
وشدد خاطر على ضرورة "وضع خطط من السلطة لمواجهة آثار الابتزاز الإسرائيلي للمقدسيين، لأن الأمور ستكون معقدة هذه المرة"، مستبعدًا في الوقت ذاته أن تنفذ السلطة هذا الإجراء.
إرادة سياسية
من جانبه استبعد المحلل السياسي في مدينة القدس راسم عبيدات، أن يسمح الاحتلال الإسرائيلي بإجراء الانتخابات في القدس، خاصة في المناطق الواقعة داخل الجدار الإسرائيلي.
وتوقع عبيدات خلال حديثه مع "فلسطين"، أن يتكرر سيناريو الانتخابات التشريعية عام 2006، حينما منع الاحتلال المقدسيين من الانتخابات، منبِّهًا إلى أن الأمور أصبحت حاليًّا أكثر تعقيدًا على ضوء الدعم الأمريكي المُطلق للاحتلال.
وأوضح أن الانتخابات تحتاج إلى إرادة سياسية من السلطة الفلسطينية، مشددًا على ضرورة "التوجه للمجتمع الدولي لإلزام الاحتلال على السماح بإجراء الانتخابات".
وقال: "من يريد أن يخوض الانتخابات في القدس يجب أن يتمتع بحصانة من الاحتلال"، متوقعًا أن يفرض الاحتلال عقوبات على المُرشحين والناخبين.
وأكد عبيدات ضرورة إجراء انتخابات متزامنة، يسبقها إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، والدعوة لعقد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، والاتفاق على المرجعيات القضائية والقانونية للانتخابات.
ومؤخرًا كلَّف رئيس السلطة محمود عباس رئيس لجنة الانتخابات باستئناف الاتصالات وبشكل فوري مع الفصائل الفلسطينية، من أجل التحضير لإجراء الانتخابات التشريعية، على أن يتبعها بعد بضعة أشهر الانتخابات الرئاسية.
وأبلغت حركة حماس وفد لجنة الانتخابات المركزية الذي زار غزة أول من أمس، بجهوزيتها الكاملة لإجراء الانتخابات، مؤكدةً أنها ستعمل كل ما بوسعها لإنجاحها.
يُشار إلى أن أول انتخابات للسلطة أجريت عام 1996، وكانت الرئاسية والتشريعية متزامنتين، وفي 2005م أجريت الانتخابات الرئاسية قبل التشريعية، التي أعقبتها بعد أشهر معدودة في مطلع 2006م.