على غير العادة، لم يتصدر اغتيال زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي عناوين الصحف الإسرائيلية، أو المقالات التحليلية، أو المقابلات الصحفية، رغم أنه خبر حاز على الصفحات الأولى في كبرى وسائل الإعلام العالمية، وأخذ منها ساعات طويلة في التحليل والشرح.
هنا يطرح السؤال: لماذا بدت (إسرائيل) مقلة في تناول هذا الحدث العالمي، والأخطر لم يمارس نتنياهو عادته المتداولة مؤخرا في الثرثرة "على الطالع والنازل" حول دور إسرائيلي ما في هذا الاغتيال.
يبدو الحديث مشروعا حول الدور الذي ربما لعبته (إسرائيل) في اغتيال البغدادي، إن كان هناك من دور أصلا، خاصة وأنها نقلت معلومات استخبارية مفتاحية لإحباط عمليات وهجمات دامية كان سينفذها التنظيم، وربما يكون القرب الجغرافي بين (إسرائيل) وسوريا له دور إضافي في توفير مثل تلك المعلومات الأمنية الهامة.
يبقى السؤال ماثلا عن طبيعة الدور المباشر الذي قامت به الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في نقل ما لديها من معلومات إلى نظيرتها الأمريكية لتنفيذ عملية قتل البغدادي.
ليس سراً أن (إسرائيل) استطاعت اختراق الحواسيب الخاصة بقادة هذه التنظيمات، ولذلك يمكن الافتراض أنه كان لديها معلومات معينة عن البغدادي، لكن من الواضح أن الأمريكان في هذه المرة اعتمدوا على حلفائهم في الميدان ذاته، وليس على مساعدة إسرائيلية مباشرة أو التفافية.
أما بخصوص السؤال المركزي حول دور (إسرائيل) في المساعدة باغتيال البغدادي، فإن الدور الإسرائيلي يبدو صغيرا نسبياً، لأن جوهر العمليات التي ساعدت الأمريكان في الوصول إليه هم الأكراد والسوريون، هذان العنصران الأساسيان موجودان على الأرض، وقادران على نقل المعلومات المباشرة، وفي حال كان هناك دور إسرائيلي في هذه العملية، فلا أظن أن أحدا سيتحدث عنه.
تعطي التجربة السابقة الاستنتاج بأن أوساطا إسرائيلية لا تتحدث عن نفسها، وعن الدور الذي تقوم به من خلال نقل معلومات لإحباط هجمات للتنظيم، وفي حال تواصل الصمت الإسرائيلي فيمكن الخروج بخلاصة مفادها أنه لم يكن لها دور مباشر في هذه العملية، لأن البغدادي والتخلص منه لم يتصدر أولى اهتماماتها السرية.
يؤكد ما تقدم صعوبة الجزم بوجود دور واسع لـ(إسرائيل) في اغتيال البغدادي، دون النفي الكلي لهذا الدور، لكن يمكن الافتراض أن مساهمتها في العملية متواضعة، والسبب أن تنظيم الدولة الإسلامية لم يضع إسرائيل على صدارة تهديداته، وكهدف مركزي لعملياته الدامية، وبالتالي فإن النظرة الإسرائيلية تجاه التنظيم هي ذاتها.
صحيح أن (إسرائيل) تلاحق كل أعدائها، لكن لديها جدول أعمال مرتب ومنظم، لا يمكن نفي أي دور لها في تعقب البغدادي، لكن من الصعب الخروج باستنتاج مفاده أنه كان لها مساهمة فعالة مباشرة في الوصول إليه.