فلسطين أون لاين

​مستشفى المُطَّلع يوقف استقبالهم لرفض السلطة رفض السلطة سداد المديونية

في غياب العلاج والتحويلات الطبية.. السرطان يفترس مرضى غزة

...
صورة أرشيفية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

حين تلج قسم الأورام في مشفى الرنتيسي غرب مدينة غزة لن يلفت انتباهك شكل القسم المبهج الذي تغزو جدرانه الرسومات والألوان، فصوت أنين الأطفال على أسرة المرض يعيدك إلى عالمهم الحقيقي حيث تقاوم أجسادهم الغضة المرض على جبهات عدة.

وحيدًا.. يمضي الطفل مصطفى حسونة وقته على سرير في غرفة لا يشاركه أحد بها.. لا يكسر صمت المحيط من حوله سوى هاتف ذكي أمسكه بيده اليسرى، بينما تعلو وجهه بين الفينة والأخرى ابتسامة تغافله عن الألم الذي يتسلل إلى جسده الغض، فقد اجتاز عامه الثاني حديثًا.

وتوضح والدته أنه لم يكن مقررًا أن يتلقى مصطفى أي علاج اليوم، فقد حضر لمراجعة روتينية لكن الأطباء وجدوا انخفاضًا بنسبة دمه، فقرروا تزويده بوحدة كاملة، مشيرة إلى أن صغيرها مصاب بسرطان الدم ويعاني منه منذ تسعة أشهر.

وقد حالف الحظ مصطفى بحصوله على تحويلة طبية مكنته من المكوث 35 يومًا في مستشفى المطلع حيث خضع لعلاج كيميائي، لكن وبعد فترة من عودته واجه علاجه عدة عثرات لعدم توفر علاج "الكورتوزل والنستاتين".

تضيف الأم: "نحاول منذ مدة السفر مرة أخرى إلى مشفى المطلع، ونأمل الحصول على التحويلة العلاجية".

الكثير من الأدوية التي يحتاجها مرضى السرطان مفقودة ما يضطرهم لخيار يبدو مستحيلًا هذه الأيام، وهو الحصول على تحويلة طبية لتلقي العلاج في مستشفيات الأراضي الفلسطينية المحتلة في ظل إجراءات عقابية تفرضها السلطة وقرار اتخذته بوقف التحويلات إلى المستشفيات الإسرائيلية، إضافة إلى ديون بعشرات ملايين الشواقل المتراكمة على ذمة السلطة المالية لمشفى المطلع.

تقول الحكيمة شذى الأقرع بعد أن تأكدت من سلامة دقات قلب الطفل حسونة وإشارات تخطيط الحرارة والدم التي ترسلها شاشة حاسوب طبي ثبت أعلى السرير: "غياب العلاج له تأثير كبير على المرضى الأطفال، فهذا يؤدي إلى تكاثر الخلايا السرطانية بسرعة كبيرة، وفي الغالب يضطر المرضى – أمام عدم توافر العلاج – لتلقيه بالمستشفيات خارج القطاع".

ويتسبب غياب الأدوية بقطع وإرباك برنامج العلاج الذي يعتمد على بروتوكولات طبية محددة، في ظل معاناة المشفى كثيرًا من انقطاع الأدوية الكيماوية الخاصة بمرضى السرطان، فضلا عن عدم توفر العلاج الاشعاعي، فيضطر الأطفال لطلب تحويلات طبية تأخذ وقتًا طويلًا في الصدور.

3 أشهر دون علاج

وتحت أشعة الشمس في ساحة المشفى، يجلس محمد الحداد (57 عامًا) على كرسي بلاستيكي، تجاوره زوجته الجديدة التي لم يمض على زواجها منه سوى عامين.. ترتسم بعضًا من التجاعيد التي تسللت إلى وجهه، وعلامات الضيق خشية أن يتمكن المرض "الخبيث" منه، فقد مضت ثلاثة أشهر على اكتشاف المرض دون أن يتلقى العلاج للأسباب ذاتها التي يعانيها في إثرها الطفل حسونة.

حينما تنظر إلى جسده النحيف لا تصدق أنه كان يتجاوز 100 كغم قبل ثلاثة أشهر فقط.

يقول الحداد عن لحظات اكتشاف المرض: "شعرت بسخونة مرتفعة وظهور تورمات أسفل الإبطين، وبدأت بإجراء الفحوصات وأخذ عينات منها ليكتشفوا وجود سرطان بالغدة اللمفاوية".

وبصوت يخنقه القلق، يضيف: "أنتظر الانتقال إلى أحد مستشفيات الضفة للتأكد من وجود المرض ونوعه وكلما انقضى الوقت تزداد خطورة الحالة كما أخبرني الأطباء".

وكان قد تقرر خروج الحداد إلى القدس المحتلة الأحد الماضي، وبذرائع أمنية رفض الاحتلال خروج مُرافقه معه، فلم يستطع السفر وحيدًا فهو بالكاد يستطيع السير بمفرده عشرة أمتار، لكن هذا الأمل قد يتلاشى نظرًا لرفض المشفى استقبال أي من مرضى السرطان بسبب نفاد أدوية السرطان من المستشفى، وكذلك أزمة الديون المتراكمة على الحكومة والتي تقدر بنحو 200 مليون شيقل.

نقص أدوية

"عانينا من المرض ونقص الأدوية التي لا نجدها في مستشفى الرنتيسي فنضطر لشرائها من الخارج"، تقول والدة الطفلة نجاح الفيومي التي تعاني سرطان الغدد اللمفاوية، وهي تحمل طفلتها التي أمسكت ببالون وردي يتشابه مع لون ملابسها.

وفي فبراير/ شباط الماضي انتقلت الطفلة برفقة والدتها إلى الضفة الغربية المحتلة، ولأكثر من ستة أشهر تنقلت بين عدة مستشفيات إلى أن حولت إلى مشفى المطلع حيث مكثت تسعة أيام تلقت خلالها جرعات الكيماوي.

الحكيم بقسم الأمراض والدم محمد أبو وردة، يوضح أن مشفى الرنتيسي يفتقد العديد من أدوية الأورام، أهمها حُقن "نيبوجين" التي يؤثر غيابها على انتقال العدوى للمرضى، و"تَكْسوتير" التي تعد علاجا كيماويا دائما، إذ تعمل على ضمور في الخلايا السرطانية وفي حال لم تؤخذ وفق البروتوكولات العلاجية المعمول بها يعود الورم للتضخم والانتشار بجسد المريض.

ويضيف أو وردة إلى قائمة الأدوية المفقودة حقن "زولديكس" الخاصة بمرضى سرطاني البروستاتا والثدي، فضلا عن نقص كبير بالمسكنات عالية التأثير، إذ تصرف بكميات غير كافية ما يشعر المريض بالألم على فترات متقاربة، مشيرا إلى أن كميات الدواء الواردة التي توردها وزارة الصحة في رام الله إلى غزة محصورة ومحدودة وغير كافية، فيضطرون لتقسيمها بين المرضى حسب الحاجة ونوع المرض.