فلسطين أون لاين

​شاشة بشعة في رام الله

يوم الحجب العظيم الذي نفذته محكمة الصلح في رام الله الأسبوع الماضي، اختبرت الحجب الإلكتروني لأول مرة في حياتي، بدأت أكبس على روابط مقالاتي التي أنشرها في موقع ألترا فلسطين وأشاركها على صفحتي في (فيس بوك)، فتظهر لي شاشة إلكترونية بشعة، أكبس على مقالٍ ثانٍ فتظهر الشاشة نفسها، وهكذا دواليك، وعشت حالة من اليأس والمرارة لا يعلم بها إلا الله.

وذهبت إلى (غوغل)، ويا للأسف!، كانت محجوبة هناك.

اليوم: لا أريد أن أقاتل الحاجبين وعقلية الحجب، أريد أن أستسلم، أريد أن أقول لنفسي: كفى، هؤلاء لا رهان عليهم، أريد أن أعترف بالخيبة، وأن أيأس من كل شيء هنا في الدولة التي تحت التأسيس.

أريد أن أقول إن مقعدنا جمهورية موز بين الدول الحديثة لائقٌ بنا، وإن كل شعاراتنا عن التطوير والتحديث يجب أن تتوقف حتى لا تتحول إلى حطب يستخدمه "الحاجبون" في معاركهم العبقرية في "البناء والتنمية والاستقرار".

يحدث الانهيار والتراجع في حرية الرأي والتعبير منذ سنوات، ولا يراقبه أحد، لأننا انشغلنا بشبكات التواصل الاجتماعي، في وقتٍ تراجع فيه مؤشر حرية الرأي والتعبير في الإعلام التقليدي إلى درجة مجنونة، تراجع لأنه تُرك دون تطوير في مواجهة الإعلام الجديد، وتراجع أكثر مع استمرار السيطرة التقليدية الرجعية عليه، التي رأت فيه مساحة خصبة لـ"علومها العبقرية في الصحافة والإعلام".

منذ عشر سنوات تتبادل الحكومات الكذبات والشعارات في تنمية الإعلام الفلسطيني.

ففي عام 2010م قال الرئيس: "إن حرية الصحافة سقفها السماء"، وعلى الأرض كانت اعتقالات الصحفيين واستدعاءاتهم ومحاكمتهم على أيدي وزراء تجري على قدم وساق، جملة السماء هذه أنا شاهدٌ عليها، قالها لنا الرئيس، نحن أمانة النقابة التي فازت قبل أيام، وبعد أسابيع كنت أقضى ساعاتٍ في النقابة في البالوع، وأنا أطالب بتغيير توقيف أحد الزملاء ليكون نهاريًّا ومع أدويته على الأقل.

وبعد مدة اعتدى الأمن على الصحفيين جهارًا نهارًا في بيت لحم، وبعد سنوات شتمت "السلطة التنفيذية التابعة للدولة التي تحت التأسيس"، النقابة وقيادتها في الشارع العام.

في عام 2012م طلبت الحكومة برئاسة سلام فياض من مركز تطوير الإعلام في جامعة بير زيت تنفيذ مبادرة وطنية لتطوير الإعلام الفلسطيني، ونفذها المركز، وعندما ذهب للتسليم تعب وهو يبحث عمن يستقبله في حكومة الحمد لله ليستلم الأوراق.

في كانون الآخر 2016م دبرت دولتنا التي تحت التأسيس قرارًا بقانون لتشكيل المجلس الأعلى للإعلام، وعندما ثار الصحفيون من "بلاغة المصالحية والزبائنية والفئوية" في تشكيلة المجلس وصيغة القانون؛ أوقف نشره في الجريدة الرسمية، وتفرج العالم علينا ونحن نمنع انقلابًا على حرية الرأي والتعبير.

في أيار 2017م نشرت الدولة الفلسطينية "البازغة" قرارًا بقانون رقم (16) لسنة 2017م بشأن الجرائم الإلكترونية، فكانت الفضيحة الكبرى التي رفضها الجسم الصحفي، حتى ذلك المحسوب على الدولة والمشروع السياسي، وطالب بتعديلها، وقضينا المجتمع المدني أشهرًا طويلة ونحن نجلس في مكتب حنان عشراوي حتى ترفع تعديلاتنا إلى الرئاسة.

وفي 2018م عندما صدر القرار بقانون رقم (10) لسنة 2018م بشأن الجرائم الإلكترونية، جاء في مادتين متناقضتين بشأن وسائل الإعلام (21، 39): الأولى تتشدق بشعارات الحرية والتنوير، والثانية تحجب وتتعسف وتحول "جهات الضبط والتحري" إلى هيئة "قل ولا تقل"، دون أن نعرف من هي هذه الجهات، ودون أن يكون بينها وبين من تحاكمهم أي اتصالات أو مفاوضات مؤسسية، بل تذهب هذه الجهات مباشرة إلى مكتب النائب العام أو أحد مساعديه وتأخذ منه ورقة تذهب بها إلى محكمة صلح، فتقوم المحكمة بالحجب أو الإغلاق أو المنع بحق المؤسسات الصحفية.

من شدة "البلاغة القانونية التي نعيشها" أن المحكمة المقصودة قامت بالحجب، وبعد ساعات تفهمت التظلم إلى درجة الاشتباه في المادة التي حجبت المؤسسات الصحفية بناءً عليها، ورفعت القضية إلى المحكمة الدستورية لبت دستورية المادة، يا إلهي!

في 2018م طفح الكيل مع تحالف صحفي اسمه "خبرني"، يطالب بإقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات، وعندما ذهبت مع آخرين من ممثلي التحالف إلى وزير العدل آنذاك، طلب مهلة شهرين لعرضه على الحكومة والرئاسة للقراءة والإقرار، والشهران فقط صارت زمنًا امتدَّ حتى الآن وإلى عشر سنواتٍ مقبلةٍ سيظل فيها التعتيم على المعلومات أداة لعدم الشفافية، ومرتعًا للمتنفذين بإخفاء المعلومات، ومزاجًا عاليًا لغياب الحوكمة والرشد السياسي والإداري والمالي للدولة، الدولة التي تحت التأسيس.

القوانين التي كان يتشدق بها بعض أنها لتنمية وتطوير الإعلام تحولت إلى أداة في أيدي السلطات لحبس الصحفيين.

منذ سنوات نهوي بحرية الرأي والتعبير، فيُرَد علينا: "يعني حماس أحسن، يعني سوريا وإيران أحسن؟!"، وهذه الإجابة بالفعل تكفي لفضحنا، فحرية الرأي والتعبير ليست قيمة أو معيارًا للتنمية، بل مفارقة سياسية مع خصم سياسي، أو مناورة مع ممولين وداعمين نتشبه بقيمهم ومعاييرهم عند الحاجة.

أليس الأمر كذلك؟!