في تعليق مؤلم قال سلام فياض: إن عباس يبحث عن شرعية لا وجود لها؟! قضية الحديث في شرعيات القيادة والحكم، قضية ذات شجون. لقد قاد ياسر عرفات الشعب الفلسطيني من خلال شرعية الثورة التي (تعنونت) في وقت لاحق في منظمة التحرير. احترم الشعب شرعية الثورة، وقدمها على شرعية الدعوة التي مثلتها الحركة الإسلامية. الشرعية الدعوية في فلسطين سبقت الشرعية الثورية بزمن طويل، حتى إن عرفات نفسه وخليل الوزير وصلاح خلف كانوا لفترة ضمن الشرعية الدعوية التي قادها الإخوان المسلمون. لكن شرعية الثورة تفوّقت في تأثيراتها القيادية والاجتماعية على الشرعية الدعوية، وهذا أمر اعترفت به الحركة الإسلامية.
في اتفاقية أوسلو وما تلاها تراجعت الشرعية الثورية، حتى تلاشت أو كادت أن تتلاشى، وحلّت محلها شرعية اتفاقية أوسلو، والسلطة، والمفاوضات، وتقدمت في هذه الفترة شرعيات ثورية بقوة ولكن بقيادة حماس، والجهاد الإسلامي، وحدثت حرب الشرعيات بين الأطراف، لا سيما بعد أن رفضت شرعية السلطة الشرعية الثورية واعتقلت قادتها في عام 1996م، وزعم بعدها عباس أن المقاومة عبث، ولا جدوى منها، ونسق مع العدو، وسلّمه عددا من قادة المقاومة، وساعدته أجهزته على اغتيال بعضهم.
في ساعة دراماتيكية أراد فيها عباس الانتقام من سطوة حركة فتح التي أهانته عندما كان رئيسا للوزراء بقرار أميركي فرض على عرفات، فأجرى انتخابات 2006م التي فازت فيها حماس وشكلت الحكومة العاشرة. ومنذ هذا التاريخ وعباس يرى نفسه أنه كمن ابتلع منجلا، وبدأ يتحدث عن انتخابات جديدة، وجاءت أحداث عديدة كلنا يعرفها، حتى وصلنا إلى 2019م، وقد انتهت زمنيا جميع الشرعيات المرتبطة بالسلطة بحسب النظام السياسي، وبسبب طول مدة انتهاء الصلاحيات، وتبكيت إسرائيل وغيرها لعباس في موضوع شرعية الرئاسة، بدأ عباس يلح على انتخابات تعيد له شرعية الرئاسة والقيادة، بحيث لا يدفع الثمن المقابل للأطراف الفلسطينية الأخرى، وهذا ما دفع سلام فياض لقوله عباس يبحث عن شرعية لا وجود لها عبر انتخابات كاذبة، وقد لا تحصل البتة في عهده.
الشعب الفلسطيني عرف عدة شرعيات أقرّ ببعضها ورفض الأخرى. الشعب قبل الشرعية الثورية، قبلها من فتح، وقبلها من حماس، وقبل شرعية الدعوة على المستوى الاجتماعي، وقبل الشرعية الانتخابية النزيهة، ورفض شرعية المفوضات، وشرعية الوكالة عن العدو المحتل، والآن إما أن يعود الشعب إلى شرعية الانتخابات بتوافق عام، وإما أن يجتمع الجميع على شرعية الثورة معا. ولا ثالث لهما.