فلسطين أون لاين

​البدء بإنشاء مستشفى تخصصي شمالًا

مرضى الكلى.. إمكانات متواضعة تداويهم وفقر يضاعف مآسيهم

...
صورة أرشيفية
غزة/ أدهم الشريف:

لم يقتصر الأمر على قدر الإصابة بالمرض، لقد رافقهم الفقر وضعف الإمكانات الصحية، وجعلهم الفشل الكلوي يبدون كأُناس آخرين، فأجسادهم النحيلة المترهلة ووجوههم العابسة تشي بآلامهم. من المؤكد أن هذا المشهد سيجعلك تعيش حقًا معاناتهم.

هذه الصورة الأولى التي ستطبع في ذهنك ولن تنساها أبدًا إن فكرت يومًا أن تدلف إلى قسم غسيل الكلى في مجمع الشفاء الطبي، أكبر مستشفيات قطاع غزة، الذي يمر بأزمات منذ أكثر من 13 سنة على التوالي.

هناك في قسميْن منفصليْن يتجمع المرضى من الرجال والنساء، تخصص إدارة القسم مقعدا وجهاز غسيل يلزم المريض بالجلوس عليه أربع ساعات متواصلة لغسل الكلى.

يسود الصمت المكان ولا تُسمع إلا أصوات أجهزة الغسيل التي يقدر عددها بالعشرات وتخدم مئات المرضى على مدار الساعة ضمن جدول زمني أعده قسم التمريض في المشفى يتيح لكل واحد من هؤلاء المجيء ثلاث مرات أسبوعيًا.

وهذا أقل عدد بالنسبة للشاب وائل الخالدي، المصاب بالفشل الكلوي منذ 5 سنوات مضت.

يقول الخالدي لـ"فلسطين"، إنه أصيب في حادث عرضي قلب حياته رأسًا على عقب، فتشوه جسده وتلبدت السموم بداخله، إلى أن أخبره الأطباء بإصابته بالمرض بعد عامٍ كامل من التحليلات الطبية.

يبدو الخالدي البالغ من العمر (34 عامًا) في غير حالته على الإطلاق، لقد كان شابًا يافعًا قبل أن يصيبه المرض ويلحق به أضرارًا صحية كبيرة جعلته لا يكاد يقوى على الحركة.

آلام مضاعفة

لكن ما ضاعف آلام الخالدي ومأساته حالة الفقر التي ألمت به بعدما أصبح غير قادر على العمل، وأفقده ذلك إمكانية توفير دخل مناسب لأسرته.

حتى أنه أحيانًا يكون غير قادر على توفير الدواء الخاص به، الذي يزيد ثمنه على 200 شيكل، أي ما يعادل 55 دولارًا تقريبًا؛ وخاصة دواء "الكالسيوم" الذي لا يستطيع مرضى الفشل الكلوي الاستغناء عنه.

وبالنسبة لمرضى الفشل الكلوي فهم مجبرون على تخفيف نسبة السوائل التي تدخل الجسم؛ حتى أنهم يقللون من شرب المياه حتى لا يؤدي إلى تورم أجسادهم، تفاديًا لسوء حالتهم وخشية أن يعرض حياتهم للخطر. وهذا ما جرى تحديدًا مع يحيى التلمس (67 عامًا) واستدعى نقله إلى مشفى على عجل لإزالة المياه التي تراكمت في جسده ووصلت حد الرئتين، حتى أنه كان يواجه خطر الموت في أثناء نقله من البيت إلى المشفى.

وقال التلمس الذي أصيب بالفشل الكلوي قبل 5 أعوام: "عندما تصعد السوائل إلى الرئتين، يصبح مريض الفشل الكلوي كالغريق لا يستطيع التنفس، وهذا أمر خطير يؤدي إلى الوفاة".

وأضاف: "نعاني نحن مرضى الفشل الكلوي من أورام في السيقان، ونميل إلى التمدد والنوم، ونعاني من تأثير المرض على زيادة الآلام في الساقين، وقد أصبحت لا أستطيع السير بسبب هذا المرض".

ويشير إلى أنه يعاني أوضاعًا مادية صعبة، ويصرف أكثر من 200 شيكل شهريًا على الأدوية، فضلاً عن أجرة توصيله إلى المشفى بمركبة خاصة لإجراء 12 عملية غسيل شهريًا، بتكلفة تفوق 200 شيكل أيضًا.

ونبَّه إلى أنه منذ أكثر من عام وهو يشتري دواء الكالسيوم على نفقته الخاصة، منذ أن توقفت وزارة الصحة عن منحه له.

ويعمل قسم غسيل الكلى في مجمع الشفاء 5 فترات متتالية، بدءًا من الساعة الـ6 صباحًا حتى الـ2 ليلاً، لخدمة قرابة 500 مريض من سكان محافظتي الشمال وغزة، وفقًا لرئيس التمريض في قسم الكلى بمجمع الشفاء؛ الحكيم أحمد أبو العطا.

ويقدم قسم الغسيل في مجمع الشفاء الخدمة الطبية لمرضى الفشل الكلوي من خلال 55 جهازًا تعمل من أصل 60، وهذا ما يسبب ازدحامًا كبيرًا مقارنة بعدد المرضى الوافدين إلى المستشفى من محافظتي غزة والشمال.

ونبَّه إلى أن هذا الازدحام يحدث حاليًا رغم عمليات التوسعة في قسم غسيل الكلى بإضافة 22 جهاز غسيل جديدا في السنوات الأربع الأخيرة.

وتوقع أن الأسلحة التي استخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قصف غزة في أثناء الحروب الثلاث: نهاية 2008 ومطلع 2009، وفي نهاية 2012، وصيف 2014، لها دور كبير في نشر الأمراض، ومنها الفشل الكلوي، خاصة أن كمية القنابل التي ألقيت على غزة كبيرة، وترسب جزء كبير من موادها السامة في التربة الزراعية بعد أن لوثت أجواء القطاع الساحلي.

وأشار إلى أن سلسلة فعاليات ينظمها القسم المعني بمرضى الفشل الكلوي في مجمع الشفاء، للتخفيف عنهم، ومحاولة دمجهم في المجتمع، وإخراجهم من الحالة التي تصاحبهم بسبب المرض.

حجر الأساس

وفي أغسطس/ آب الماضي؛ وضع السفير القطري محمد العمادي حجر الأساس لمركز المرحومة "نورة بن راشد محمد الكعبي" لغسيل الكلى بالمستشفى الإندونيسي، شمالي قطاع غزة.

وقال العمادي خلال الحفل بحضور وكيل وزارة الصحة يوسف أبو الريش، إن هذا المشروع يأتي من منطلق حرص قطر ممثلة بسمو أمير الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، على تخفيف تداعيات الحصار على غزة، وخاصةً القطاع الصحي، وتعزيز الرعاية الصحية المقدمة للمرضى.

وأشار إلى أن المشروع سيشمل إنشاء وتجهيز المركز من ثلاثة طوابق بطاقة 40 جهاز غسيل كلوي، وعلى مساحة 550 مترًا مربعًا، وبتكلفة إجمالية 1.7 مليون دولار، متمنيًا أن يسهم المركز الجديد في الحد من معاناة مرضى الفشل الكلوي وتلقيهم خدمة ذات جودة.

وعبرت وزارة الصحة عن شكرها وتقديرها لدولة قطر أميراً وشعباً ومؤسسات، وللسفير العمادي على ما تقدمه قطر من دعم سخي وواضح في جميع القطاعات في فلسطين، وغزة على وجه الخصوص، وبما تشمله المشاريع من إحداث الأثر النوعي والكبير في مجال الخدمات الصحية.