فلسطين أون لاين

​على عتبات الوزارة.. "التقاعد القسري" يحرق مسيرة "لحلوح" التعليمية

...
صورة أرشيفية
رام الله – غزة/ يحيى اليعقوبي:

وصلَتْ لقناعةٍ بأن كل سنوات عمرها التي أمضتها في التدريس لم تجد من يقدرها، بعد إحالتها للتقاعد القسري المبكر عام 2018م، لتكون المدرّسة رجاء لحلوح أمام قرار صعب وجدت فيه الحل الأنسب لإيصال رسالتها ومظلمتها، حيث أحرقت شهاداتها العلمية (بكالوريوس وماجستير) على عتبات باب وزارة التربية والتعليم برام الله.

رسالة أرادت بها مدرسة اللغة الإنجليزية لطلبة الثانوية العامة بمحافظة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة القول: إن سنوات عمري التي أفنيتها بالذهاب صباحا إلى المدرسة، والتحضير والتدريس ومتابعة كل شاردة وواردة، والحرص على نجاح أبناء الثانوية العامة، لم تكن لها أي قيمة عند المسؤولين الذين كافؤوني ونحو 116 معلما آخر بإحالتنا للتقاعد القسري المبكر.

ووثقت المعلمة لحلوح لحظات إحراق شهاداتها بالفيديو الذي سرعان ما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، لتعيد التذكير بقضية غابت عن اهتمامات الوزارة الجديدة وحتى عن رئيس الحكومة محمد اشتية.

رسالة احتجاجية

وعبر طرف سماعة الهاتف الأخرى تقول لحلوح لصحيفة "فلسطين": "خطوتي بإحراق الشهادات رسالة احتجاج على تجاهل الحكومة للمتقاعدين قسريَّا عام 2018م (..) بنينا أملًا على الحكومة الجديدة، لكنها تجاهلتنا ولم تعطنا أي اهتمام، حتى أن الوزارة الجديدة لم تقم بأي مراجعات على غرار سابقتها فيما يخص القرارات التي منها التقاعد القسري".

وتعود مشكلة لحلوح وغيرها من المعلمين إلى عام 2016م عندما نظم المعلمون اعتصامات نقابية طالبوا فيها بتحسين ظروف حياتهم، فحاولوا إنشاء نقابة للمعلمين، بعد أن كان اتحاد المعلمين (الجسم النقابي المعتمد) متماهيا مع حكومة رامي الحمد الله، وفق قولها.

وقد كانت لحلوح وقتها عضو هيئة إدارية منتخبة في نقابة المعلمين التي قادت الحراك.

وأضاف: "قررنا إقامة نقابة للمعلمين تدافع عن حقوقهم، وجمعنا توقيعات المعلمين وقدمناها لوزارة العدل، لكن الطلب قوبل بالرفض، حتى أن اعتصاماتنا كانت تقابل بفض أمني من الأجهزة الأمنية".

وتلفت إلى أن الإضراب الذي استمر لمدة شهر انتهى بعد وعود تلقاها المعلمون ولم تتحقق حتى الآن، لتتفاجأ لحلوح عام 2018م ونحو 116 معلما بـ"قرارات انتقامية" تحيلهم إلى التقاعد القسري

"بسبب الحراك النقابي الذي أردنا من خلاله استرداد حقوق المعلمين".

كتاب وصدمة!

ما زالت ذاكرة المدرسة لحلوح تحتفظ بتاريخ لم تنسه، الخامس من مارس/ آذار 2018م، الساعة العاشرة صباحا، حين كانت منهمكة بمراجعة مواد الثانوية العامة قبل أسبوعين من بدء إجازة استعداد الطلبة للامتحانات النهائية، "في هذه الأوقات ينتظر المعلمون التقدير والتكريم على إنجازاتهم وإسهاماتهم في خدمة التعليم وطلبة التوجيهي، أفضل تكريم يتوقعه هؤلاء المعلمين هو نجاح الطلبة وتقدير جهودهم في ذلك، فنجاح الطالب هو نجاح للمعلم"، كما تؤكد.

لكن المكافأة هنا كانت مختلفة تماما.. فدون إنذار سابق وصلها كتاب من مديرية التربية والتعليم بمدرسة في منطقة قباطية يشكرها على جهودها، ويخطرها بأن هذا اليوم هو الأخير لها في السلك التعليمي، وأنها أُحيلت للتقاعد المبكر.

تعود لتلك اللحظة معلقة على كتاب التقاعد: "تفاجأت وصدمت، حتى مديرة المدرسة سألتني، إن كنت قد تقدمت بكتاب للتقاعد (..) يومها صدم القرار المعلمين والطلبة الذين خرجوا باحتجاجات مستمرة على القرار لأنني كنت مجتهدة في عملي وحريصة على الطلبة الذين لم يقبلوا به".

وتوضح لحلوح أن الهدف من القرار تصفية حسابات مع الحراك النقابي وعقاب كل من يقول: "لا للظلم، أو لأي شخص مطلع على فساد معين وينتقده"، مشيرة إلى أن الوزارة استغلت إقرار قانون التقاعد المبكر لمدة ستة أشهر حينها، وقبل يومين من انتهاء المدة وصلها وغيرها من المدرسين قرار إحالتهم للتقاعد "القسري".

وبنبرة ضاحكة تتهكم على قرار التقاعد ومبررات الوزارة قائلة: "استغلوا القانون لتمرير القرار (...) يومها كان لدي زميلة بالمدرسة نفسها، عملت في سلك التعليم منذ 21 عامًا وقدمت للتقاعد من تلقاء نفسها، لكن طلبها قوبل بالرفض لأن شروط التقاعد لم تنطبق عليها، كما جاء في رد الوزارة، فكيف انطبقت عليَّ؟ .. سؤال لم أجد أحد يجيبني عنه".

وأمام قرار تقاعدها انتقلت لحلوح للعيش بمنزل للإيجار بمحافظة رام الله، وعملت بمدرسة خاصة طيلة عام ونصف العام، حتى قدمت استقالتها قبل يومين، لأن الرواتب متدنية والعمل فيها ليس أحسن حالا من المدارس الحكومية، مضيفة: "قررت ترك مجال التعليم والبحث عن مجال آخر، بسبب الحالة التعليمية وأوضاع المعلمين".