فلسطين أون لاين

​هكذا قرأ الإسرائيليون نزول عباس عن شجرة أموال المقاصة

تقدير وقف

يثير التراجع الذي أبداه رئيس السلطة محمود عباس أخيرا في قبوله استلام أموال المقاصة من (إسرائيل) كثيرا من التساؤلات المشروعة داخل الأوساط الإسرائيلية، لأن ما حصل مناقض لكل تصريحاته السابقة في رفض استلام هذه الأموال المقتطعة، والسؤال الأهم عن الثمن الذي قد يدفعه بسبب هذا القرار في تنازله عن الشعارات التي رفعها مقابل تحصيل هدوء أمني في الضفة الغربية.

لقد بدا عباس بعد ثمانية أشهر من رفض استلام أموال الضرائب التي تجمعها (إسرائيل) شهريا، وترسلها للخزينة الفلسطينية كأنه صعد إلى شجرة عالية، وأعلن في العديد من المنتديات والمؤتمرات التي شارك فيها أنه لن يوافق على استلام أموال الضرائب، ما دامت (إسرائيل) تخصم منها قيمة الأموال التي تدفعها السلطة للأسرى وعائلات الشهداء، وكان لسان حاله: إما الكل أو لا شيء.

لا يخفى على المحافل الأمنية والعسكرية الإسرائيلية أن الوضع المالي الفلسطيني في رام الله بدأ بالتزعزع، وموازنة السلطة التي يأتي جزء أساسي منها من أموال الضرائب باتت تشهد حالة من عدم الاستقرار، ما أدى لنشوب أزمة تهدد الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية، وقد حذرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من نتائج هذه السياسة، وأكدت أن هذه الأزمة قد تسفر في النهاية عن فوضى أمنية في الضفة الغربية.

لكن من الواضح أن الرفض المتكرر لعباس طوال الأشهر الثمانية الماضية وصل أخيرا إلى منتهاه، حين وافق على إجراء مفاوضات مع (إسرائيل) لاستعادة مليار ونصف شيكل، وهو بذلك نزل درجات عدة عن السلم، ما جعل أوساطا إسرائيلية عديدة تعدها أنها تراجع، خاصة بعد أن أبدت (إسرائيل) عنادا وإصرارا على عدم تغيير قرارها.

السؤال الإسرائيلي المحوري هو: ما الذي جعل عباس يغيّر موقفه 180 درجة، ويوافق على التسوية مع (إسرائيل)؟ لعل الإجابة تتلخص فيما أشارت إليه أوساط في فتح والسلطة الفلسطينية، التي عبرت عن استيائها من رفضه المتكرر لاستلام أموال المقاصة منذ اللحظة الأولى، وتتركز دوافعهم في هذا الانتقاد في أنه لم يكن من اللازم رفض استلام كل الأموال منذ البداية.

مع العلم أن (إسرائيل) لا تقدم للفلسطينيين معروفا، هذه أموالهم، وحقهم الطبيعي أن يحصلوا عليها، كان بإمكان السلطة أن تأخذ هذه الأموال، ثم تتوجه للأمم المتحدة والجهات الدولية، والدخول في صراع قضائي ودبلوماسي مع (إسرائيل) حول اقتطاعها أموالها.

قد لا يختلف الفلسطينيون والإسرائيليون على أن الخشية من القلاقل الأمنية، ومنع نشوب أزمة اقتصادية، والانفجار الاجتماعي في الضفة الغربية، هي الأسباب التي دفعت عباس للتنازل عن موقفه، واستلام أموال المقاصة منقوصة، لا سيما في حقبة تشهد حرب وراثة تتحضر لليوم التالي الذي سيشهد غيابه عن المشهد الفلسطيني.