لا زال الإسرائيليون يدرسون تبعات القرار الأمريكي بالتخلي عن الأكراد على مستقبل علاقتهم بواشنطن، على اعتبار أن أي خطوة تتخذها الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط تترك تأثيراتها على إسرائيل، وتلزمها بخطوات مقابلة.
بالنسبة للإسرائيليين، يبدو من الصعب تحديد من الأكثر مفاجأة: قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالنسبة لإسرائيل، أم حجم المفاجأة الإسرائيلية منها؟ والأخطر من ذلك السياسة الخارجية الشرق أوسطية لترامب، رغم أن بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية باع للرأي العام الإسرائيلي بضاعة مفادها أن هناك علاقة رومانسيّة مع ساكن البيت الأبيض تخدم إسرائيل.
نتنياهو يقدّر عاليًا ترامب بوصفه الصديق الأكثر حميمية لإسرائيل في البيت الأبيض، بغض النظر عن قراره بما تصفه تل أبيب "خيانة" الأكراد، وخذلانهم بتركهم يواجهون مصيرهم المحتوم أمام الأتراك، مع أن نتنياهو يزعم أن إسرائيل تعرف كيف تدافع عن نفسها بنفسها، ولكن طالما أن الأمر كذلك، فلماذا يسعى لإبرام حلف عسكري مع واشنطن؟
إن كل طالب علاقات دولية يعلم أن العلاقات المميزة بين إسرائيل والولايات المتحدة تعتبر عنصرا أساسيا في قوة الردع الإسرائيلية، وحماية حدودها الخارجية، وبالتالي فإن إسرائيل تتمتع طوال عقود طويلة بفرضية مفادها أن إعلان الحرب عليها يعني محاربة الولايات المتحدة، وهذه الفرضية تعتبر حجر الزاوية في الأمن القومي لإسرائيل.
السؤال الإسرائيلي الأهم بعد التخلي الأمريكي عن الأكراد: كيف يمكن إقناع البيئة المحيطة بإسرائيل بجدوى ضبط النفس للولايات المتحدة تجاه الهجمات الإيرانية على السعودية وأمريكا ذاتها؟
في ذات السياق، يبدو كلام ترامب خطيرًا تجاه إسرائيل، وينبغي أن يخيفها، حين قال إننا أهدرنا أموالًا كثيرة لمساعدة الأكراد، فإذا كان الرئيس الأقوى في العالم يتحدث عن دعم الحلفاء بمنطق التبذير وإهدار الأموال، فإن الدعم الأمريكي لإسرائيل ومصر والأردن يعتبر إهدارًا كذلك وتبذيرًا للأموال الأمريكية.
إن سلسلة الأحداث الأخيرة في المنطقة أثارت قلق الإسرائيلي بالتزامن مع العملية العسكرية التركية ضد الأكراد، فقد فوجئت منظومتها الأمنية من الضربات الإيرانية الأخيرة تجاه المنشآت النفطية السعودية، خاصة مستوى الدقة المتناهية، ما استدعى طلب موازنات إضافية بمليارات الشواكل، رغم المزاعم السائدة بأن الجيش مستعد لكل سيناريو وتهديد: هجوميا أم دفاعيا.
لم يعد سرًّا أننا أمام رئيس أمريكي يأتي وآخر يذهب، ولكن يبقى الدعم الأمريكي لإسرائيل باقيا وقائما، ومع ذلك فليس هناك من تقدير بأن الرئيس الأمريكي في أي حرب إسرائيلية قادمة سيرسل لها جسرا، كما فعل الرئيس الأسبق ريتشاد نيكسون في حرب 1973، وليس هناك رئيس سيعيد ما قام به الرئيس الأسبق جيمي كارتر بالتوسط لإقامة سلام بين إسرائيل والدول العربية، ودائما ستكون المفاجآت في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية