شهدت الأشهر الأخيرة، عشية الانتخابات الإسرائيلية في دورتيها في أبريل وسبتمبر 2019، نشر عدد من المشاريع التي تقدم بها بعض الوزراء والباحثين الإسرائيليين، وتدور معظمها في مسألة إتمام الانفصال عن القطاع، سواء بإلحاقه بمصر، أو إقامة جزيرة مائية على شواطئ غزة، أو لسان بحري يصل غزة وقبرص في البحر المتوسط.
اصطدمت هذه المشاريع بمعارضة الأمن الإسرائيلي، الذي رأى فيها أنبوب أوكسجين يعوض المقاومة عن الأنفاق التي دمرتها مصر على حدود رفح-سيناء، وأمدّتها بأنواع الأسلحة والقدرات العسكرية والإمكانيات التسليحية.
وتخشى الأوساط السياسية الإسرائيلية أن تشكل غزة لاحقًا كيانًا سياسيًا مناهضًا لـ(إسرائيل)، يمتلك جميع أركان الدولة، وهذه المرة بموانئ بحرية إلى العالم الخارجي، مما يجعلها محاطةً بمزيد من الكيانات المعادية لها، بجانب سوريا ولبنان وإيران، مع وجود من يرى في (إسرائيل) أنّ منح غزة منفذا بحريا إلى العالم يمهد الطريق للتخلص من تحمل أعبائها.
أما عن خيار إعادة الوصاية المصرية على غزة، فقد أخرجت تطورات السنوات والأشهر الأخيرة في القطاع هذه الخطة من أدراج المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، حيث يعتقد الإسرائيليون أنّ إعادة غزة للإدارة المصرية دوافعها اقتصادية ومعيشية؛ ولذلك خرجت التصريحات الدولية التي تتحدث عن إقامة مشاريع اقتصادية واستثمارية خاصة لسكان القطاع، مقرها بسيناء المصرية، مما يعني نقل مفاتيح السجن الغزي من السجان الإسرائيلي إلى المصري، ومنح الأخير حوافز مالية هائلة.
وشهدنا مؤخرا موافقة إسرائيلية على تزويد مصر لغزة بالبضائع التموينية والاحتياجات المعيشية عبر معبر رفح، مما أعطى إشارة على إمكانية تطوير الفكرة لتصبح العلاقات التجارية المصرية الفلسطينية بغزة مباشرة، دون وسيط إسرائيلي.
جاء ترحيل هذا الخيار إلى الترتيب الأخير، كون التوجه اليميني الإسرائيلي طوال العقد السابق قضى بإبقاء الانقسام الفلسطيني حتى إشعار آخر، لأن (إسرائيل) الليكودية مستفيدة من هذه الحالة غير السوية في الساحة الفلسطينية، وبذلت، وما زالت تبذل، جهودًا كبيرة سياسية وأمنية واقتصادية من أجل ترسيخ الانقسام بين الفلسطينيين، لكن في ظل نتائج الانتخابات الإسرائيلية، فقد يكون هناك رأي إسرائيلي آخر.
هناك أصوات إسرائيلية تطالب بعودة السلطة الفلسطينية للقطاع، كأحزاب يمين الوسط واليسار، ويمثلها: أزرق-أبيض، العمل، وميرتس، القائمة العربية المشتركة، وبعض النخب الإعلامية والبحثية، التي قد تصبح ذات تأثير في المشهد السياسي ودوائر صنع القرار في تل أبيب إن نجحت بتشكيل الحكومة القادمة.
من الأهمية بمكان التأكيد على أنّ هذه البدائل الإسرائيلية، تعبّر بصدق عن حجم الأزمة الإسرائيلية المتمثلة في عدم وجود حل سريع وغير مكلف لأزمة غزة، مما سيجعلها مطروحة بقوة على أجندة أول اجتماع للحكومة الإسرائيلية الجديدة، في حال رأت النور!