"لم يحارب الأكراد معنا في الحرب العالمية الثانية، ولم يكونوا في نورماندي"؟! هذا ما قاله ترامب في تغريدة له على الانتقادات التي وجهت لأميركا لتخليها عن قوات الشعب الكردية. ترامب يقول نعم. لقد سلحنا الأكراد لقتال داعش، وقدمنا لهم المساعدة لكي ينجحوا، ولكن انتهت حاجتنا إليهم، وهم أخذوا ثمن خدمتهم لنا؟!
أميركا تعرف حلفاءها، وهم في أقصر تعريف: من قاتلوا معها في الحرب العالمية الثانية؟! أميركا تعرف أن من يقتربون منها اليوم ليسوا معها، ولكنهم يحتاجون إليها لمصالحهم لذلك فهم معها؟! وأميركا لها مصالحها هي أيضا، ومصالحها ليست ثابتة عند أحد، بل هي متغيرة. بالأمس كان الأكراد (قوات الشعب) حلفاء، واليوم الأكراد ليسوا على أجندة الحلفاء.
لو يعي الأكراد بكل تنظيماتهم هذه السياسة التي تمارسها الدول الاستعمارية الكبرى لأقبلوا على التفاوض الجاد مع تركيا ومع غيرها من دول المنطقة، ولأبرموا معهم معاهدات تحفظ لهم حقوقهم ومصالحهم، ولتخلوا عمن يستخدمهم للقتال بالوكالة باسم القومية الكردية، والحقوق الكردية.
نعم، لقد وقع على الأكراد ظلم تاريخي منذ اتفاقية سايكس بيكو، حيث تعمد الحلفاء حرمانهم من الوطن القومي، عقابا ربما لصلاح الدين، الذي لم تغادر صورته ككردي الأذهان الصليبية، والاستعمار الجديد. وهذا الظلم التاريخي تحافظ عليه وتصونه اليوم أميركا ودول كبرى أخرى، ومن ثمة لا يوجد طريق لرفعه من خلال الحروب ضد العراق، وضد إيران وضد تركيا وضد سوريا، لأنه يمكن لهذه الدول أن تتحالف ضدهم وتهزمهم. إن الحل يكمن في تفاهم الأكراد مع هذه الدول على تلبية مطالبهم القومية.
إن مقولة ترامب الأخيرة (لم يحاربوا معنا؟!) يجدر بها أن تقرع أجراس الخطر في المملكة ودول الخليج، والعراق، ومصر، وكذا في تركيا. أميركا لا تعنيها الحرية، وحقوق الإنسان. إن علوها الحضاري المادي لا يقوم على العدل وحقوق الإنسان كما يزعمون، وإنما يقوم على القوة المادية، لذا فإن ما تعنيها مصالحها أولا وأخيرا. إن من يتغطى بأميركا وبشبكة أمنها، كما حصل في أرامكوا، كان كمن يتغطى بغربال لا يقي حرا ولا بردا؟!
إن مقاطعة بعض العرب لتركيا اقتصاديا، هو حلّ سخيف لا يساعد سوريا ولا الأكراد، والدول الرئيسة التي تقف خلف القرار تعيش المقاطعة الاقتصادية عمليا منذ فترة، وكان الأجدى أن ترسل الجامعة وفدا وزاريا إلى أنقرة وسوريا والأكراد للبحث عن حلّ سياسي.