منحت وسائل الإعلام الإسرائيلية تغطية صحفية واسعة النطاق فور بدء العملية العسكرية التركية في شمال سوريا، فبدا الأمر وكأنه إسرائيلي داخلي بامتياز، وليس إقليمياً أو دولياً، مما يفتح بوابة من التساؤلات الحساسة حول مكامن القلق الإسرائيلي من هذه العملية، ولماذا تظهر إسرائيل متضررة من هذه العملية، رغم أنها تبعد عن حدودها قرابة ثمانمائة كيلومتر.
جاءت ردود الفعل الإسرائيلية، لا سيما الرسمية منها، معبرة عن حجم الانزعاج من السلوك العسكري التركي في المنطقة، مما اعتبر استعراضا للقوة العسكرية انفردت به إسرائيل وحدها، وبصورة حصرية، سواء في الأراضي الفلسطينية واللبنانية، وفي السنوات الأخيرة امتد إلى المناطق السورية والعراقية، دون أن تجد قوة تردعها، فجاءت العملية التركية لتعلن أن هناك قوة عسكرية في المنطقة، لها نفوذ وتأثير وسلوك على الأرض، يضاهي إسرائيل، وربما يتفوق عليها.
يمكن الحديث عن قسمين من ردود الفعل الإسرائيلية حول العملية التركية، أولها المواقف الرسمية من أقطاب الحكومة وزعماء المعارضة، وقد اتفقت، ويا للمصادفة، في مهاجمة تركيا، رغم اختلافها في معظم الملفات الأخرى.
القسم الثاني يتناول التحليلات السياسية والعسكرية، التي منحت نفسها هامشاً أوسع في انتقاد السلوك الأمريكي الذي "خان" الأكراد، وخذلهم، وأسلمهم إلى مصيرهم المحتوم أمام القوة التركية الفتاكة، مما يتطلب من دوائر صنع القرار الإسرائيلي التوقف ملياً أمام هذه السياسة الأمريكية التي دأبت على خذلان حلفائها.
أشار الإسرائيليون إلى أنهم فوجئوا بقرار ترامب سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، والسماح لتركيا بعملية عسكرية في المنطقة، بدليل أن القرار لم يناقش في اجتماع الكابينت قبل يومين، واعتبروا أن ترك واشنطن لحلفائها الأكراد يواجهون مصيرهم أمام الأتراك، يشعل الأضواء الحمراء في إسرائيل.
لقد انكشف ترامب مرة تلو أخرى زعيما ليس ضليعاً، بل اعتباطي، ليس لديه فكرة عما يمكن توقعه من زعيم قوة عظمى، والنتيجة أنه أصبح من ناحية إسرائيل سنداً متهالكاً، لا يمكن الاعتماد عليه، لأن سلوكه هذا يعني سكينا في ظهر الأكراد وإسرائيل معاً.
مع أنه قبل انطلاق العملية العسكرية التركية في شمال سوريا ضد مواقع الأكراد، عبّر مسؤولون إسرائيليون كبار عن قلقهم الشديد من قرار ترامب سحب القوات الأميركية من شمالي سوريا، وترك الحلفاء الأكراد لقمة سائغة في أيدي تركيا، على حد الوصف الإسرائيلي، وكل ذلك يعني أن إسرائيل لن تستطيع الاعتماد أكثر عليه.
لقد شكل السلوك الأمريكي تجاه العملية العسكرية التركية من وجهة النظر الإسرائيلية سبب جديد للقلق، لأن تراجع الثقة بترامب والولايات المتحدة كحليف مؤتمن، يزيد من نشاط الإيرانيين في تنفيذ المزيد من الهجمات في الشرق الأوسط، لترسيخ وجودهم، وسيطرتهم، وقد يأتي الدور على إسرائيل، عاجلا أم آجلا.