تقدير موقف
الحرب الأهليّة الإسرائيلية قادمة لا محالة!
د. عدنان أبو عامر
تتزايد في الآونة الأخيرة على ألسنة الكتاب والمثقفين الإسرائيليين، وبعض الساسة، مفردة "الحرب الأهلية"، التي تطل بوادرها على المجتمع الإسرائيلي بين حين وآخر، في ظل مؤشرات صعبة وقاسية، قد تجعل الساحة السياسية الإسرائيلية أمام فرصة أخيرة لعدم الانزلاق إليها.
التقديرات الإسرائيلية "المتشائمة" ترى أن (إسرائيل) ستشهد في السنوات القادمة حالة من الحرب الأهلية، وهي في مرحلة ما قبل سفك الدماء، ولم نفقد أرواحًا إسرائيلية حتى الآن، لكن ما يحصل في الساحة السياسية والرأي العام الإسرائيلي أمر خطير، في ظل غياب معايير المحاسبة والمحاكمة.
تتجلى بعض هذه المظاهر المؤدية، عاجلا أو آجلا، إلى سيناريو الحرب الأهلية، في أن جزءا أساسيًا من الإسرائيليين بات هدفه الأساسي قطع رأس نتنياهو سياسيا، فيما يدعو جزء آخر من ذات الإسرائيليين للإطاحة بمعسكر اليسار، وثالث يسعى للانتقام من اليهود الغربيين "الاشكنازيم"، ورابع يلاحق اليهود الشرقيين "السفارديم"، وخامس يريد اقتلاع المستوطنين، وقلع عيون "الحريديم".
هناك توافق بين شرائح واسعة من الإسرائيليين على أن الحرب الأهلية الجارية حاليا لها جذور ضاربة في العمق، فمعسكر اليسار لم يسلم بنتائج الانتخابات التي أطاحت به في 1977، ولم يتساهل مع فوز نتنياهو في عدة دورات انتخابية، فيما يتعسف معسكر اليمين الإسرائيلي باستخدام التفويض الذي منحه إياه الجمهور، وهنا يظهر صدام المعسكرين المختلفين، وتأخذ الساحة السياسية الإسرائيلية طريقها للتقطع إربًا إربًا.
يعود هذا الصدام بين الإسرائيليين إلى أربعة عقود على الأقل، فاليمين فرض على اليسار حرب لبنان الأولى 1982، واليسار فرض على اليمين اتفاق أوسلو 1993، وقمة كامب ديفيد 2000، وخطة الانفصال عن غزة 2005، ولم يراعِ طرف ما اعتبارات وتحفظات الطرف الآخر لدى تنفيذ مخططاته السياسية، ولم يسع أحدهما للتوصل لاتفاق ذي شعبية أوسع في الجمهور الإسرائيلي.
كما أنه طيلة فترة حكم اليمين الإسرائيلي شعر أنصاره بأن القبضة الحديدية لوسائل الإعلام ضده أخذت طريقها نحو المنظومة القضائية، مما دفعه لتنفيذ قراراته وأيديولوجياته بعيدا عن أي توافق، ضاربا بعرض الحائط كل اعتراض أو تحفظ من الطرف الآخر، وصولا لتوجيه تهديداته للصحافة.
كما أن السنوات الأربع الأخيرة شهدت تعاظم التشققات في المشهد السياسي الإسرائيلي، فالهجمة اليمينية على الإعلام والقضاء غير مسبوقة، وإن كان خصوم نتنياهو يطالبونه سابقا بطرده من مقر رئاسة الحكومة، فإنهم اليوم يسعون لسجنه بسبب فساده.
وختم كل ذلك يؤكد أن الحرب الأهلية القادمة في (إسرائيل) تقودها نحو نقطة الهلاك، وفيما تزداد التهديدات الخارجية شدة وخطورة على (إسرائيل)، فإن التهديد الداخلي بات وجوديا عليها؛ لأن الإسرائيليين باتوا يشكلون خطرا على أنفسهم، بفعل الخلافات القائمة بينهم: علمانيين ومتدينين، غربيين وشرقيين، رجالا ونساء، يسارا ويمينا.