فلسطين أون لاين

​بعد رفضٍ لثمانية أشهر

هروب السلطة من معالجة أزمتها المالية يدفعها للقبول بمقاصة مجتزأة

...
صورة أرشيفية
غزة/ رامي رمانة:

أكثر من ثمانية أشهر، والسلطة الفلسطينية ترفض أن تستلم أموال المقاصة مجتزأة، وأعادت مرتين أموالا كانت تحولها سلطات الاحتلال مباشرة لحسابها، بل وأصرت السلطة على موقفها بعدم المساس بحقوق أسر الشهداء والجرحى المالية، وذهبت إلى أوسع من ذلك بتنفيذ قرارات قالت إنها في إطار الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال.

لكن قبل أيام أعلن حسين الشيخ وزير الشؤون المدنية في السلطة عن اتفاق مع الاحتلال يقضي بتسلم السلطة ما مجموعه ( 1.8 ) مليار شيكل من أموال المقاصة المتراكمة، فما الذي دفع السلطة لتغيير موقفها الآن؟

تشكل أموال المقاصة النصيب الأكبر من الإيرادات العامة الفلسطينية، وتصل قيمتها الشهرية إلى 180 مليون دولار، هي إجمالي الضرائب غير المباشرة على السلع والبضائع والخدمات المستوردة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة من الاحتلال أو عبر الموانئ والمعابر الخاضعة لسيطرتها.

وبين الاختصاصي الاقتصادي د. سمير الدقران أن السلطة وجدت نفسها في مأزق بعد رفض استلام أموال المقاصة، خاصة وأنها تخبطت في إدارة أزمتها المالية، مشيراً إلى أن السلطة أوصلت اقتصادها إلى مستوى متدنٍ، وتسببت في إرباك بين أوساط الموظفين والقطاعات التجارية المختلفة.

ويرى الاقتصادي الدقران في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أنه كان أولى بالسلطة أن تأخذ أموال المقاصة في بادئ الأمر -حتى لو كانت مجتزأة- كي تتجنب الوقوع في مشكلة أكبر كما هي عليه الآن، وفي المقابل أن تهاجم القرار الإسرائيلي بطعنه أمام المحاكم الإسرائيلية أو المحكمة الدولية.

وبين الدقران أن الاحتلال وقبل مجيء السلطة الفلسطينية كان يصرف من وزارة الشؤون الاجتماعية في ذلك الوقت مساعدات لأسر الشهداء والأسرى على اعتبار أن لا معيل لهم، واليوم يناقض نفسه بمنعه السلطة أن تصرف رواتب لأسر الشهداء والجرحى.

ويتفق الاختصاصي الاقتصادي د. هيثم دراغمة مع ما ذهب إليه الدقران في أن السلطة وجدت نفسها "فوق الشجرة، لا تستطيع النزول عنها" فقبلت بذلك الاتفاق.

ويضيف دراغمة لصحيفة "فلسطين" أن الطرف الإسرائيلي أيضاً وجد نفسه في المأزق نفسه، بعد أن حذرت التقارير الأمنية من تأثير تعاظم الأزمة الاقتصادية بالضفة المحتلة على بقاء السلطة، وبالتالي زعزعة استقرار السلطة وزعزعة استقرار أمن المستوطنات واندلاع مواجهات على الحواجز.

ويتوقع الاقتصادي دراغمة أن تستمر السلطة في الحصول على دفعات مالية لحين تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، أو ربما تمتد على هذا النهج لنحو عام تقريباً.

كما يرى الاقتصادي أن الذي دفع السلطة إلى القبول خذلان الدول العربية للسلطة بعدم تفعيل شبكة الأمان، فتبين للسلطة أن المجتمعات العربية تذهب إلى التطبيع مع الاحتلال مجاناً دون أي شروط كما كانوا يطالبون بذلك سابقاً.

ويشير الاقتصادي إلى أن السلطة بحاجة الآن إلى قرارات سليمة في إدارة الدين العام، مبيناً أن العجز المالي كان قبل احتجاز أموال المقاصة قرابة ( 2.5 ) مليار دولار، وهذا الرقم ارتفع كثيراً.

ويؤكد دراغمة أن انفكاك السلطة اقتصادياً عن الاحتلال، من غير الممكن تنفيذه لاعتبارات عدة، منها أن الاحتلال متغلغل اقتصادياً في الأراضي الفلسطينية، ويتحكم في المعابر والحدود، والثروات، "وبالتالي الذهاب في إطار تخفيف العلاقة مع الاحتلال هو الخيار الأنسب" كما يقول.

ويعتقد الاختصاصي أنه في حال موافقة (تل أبيب) للسلطة الفلسطينية على استيراد البترول مباشرة من العراق فهو إقرار إسرائيلي بالرغبة في تعديل اتفاق باريس الاقتصادي.

أما الاقتصادي محمد أبو جياب فيجزم بأن السلطة و(تل أبيب) كانتا متفقتين منذ اللحظة الأولى على الإعلان عن قرصنة أموال المقاصة، وأن الاتفاق الجديد هو تتويج للاتفاقات السابقة.

وقال أبو جياب لصحيفة "فلسطين" إن حكومة الاحتلال كانت تدرك أن قرار قانون اقتطاع أموال المقاصة بسبب الشهداء والجرحى سيؤثر في وضع السلطة، لكنها لم تكن قادرة على رفض القرار الصادر عن الكنسيت".

وأضاف: "كانت (تل أبيب) تطلب من السلطة تقبل الأمر لحين انتهاء انتخابات حكومة الاحتلال وتشكيل الكنيست الجديد، ليعاد النظر في قرار استقطاع مستحقات أسر الشهداء والجرحى، إما بوقفه أو تعديله أو الاستمرار فيه، وكانت السلطة متفهمة لذلك الأمر.

تابع "أن موافقة الاحتلال للسلطة على الحصول على ضريبة البلو مباشرة ما هي إلا ترتيبات تمت بين الطرفين لكسب الوقت، كما أن اللقاءات التي كانت تتم بين وزيري المالية الإسرائيلي والفلسطيني كانت لتقييم الأوضاع وإيجاد حلول مؤقتة لحين انتهاء الانتخابات الإسرائيلية".

ويرى أبو جياب أن حديث السلطة عن محاولات الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال هو جزء من الاتفاق المبطن، ترغب السلطة من خلاله في الحصول على بعد وطني مؤيد لها.

لذلك يتوقع أبو جياب أن تتراجع السلطة عن قرار وقف استيراد العجول والمنتجات الزراعية من الاحتلال "بدعوى احتياج السوق الفلسطيني"، والعزوف عن استيراد البترول من العراق "بذريعة أن تكلفة نقله مرتفعة أو رفض الاحتلال للطلب".

وبدأت أزمة أموال المقاصة حين اتخذ الكابينت الإسرائيلي في شهر فبراير مطلع هذا العام قراراً بتطبيق مشروع قانون بخصم نصف مليار شيكل تدعي أنها تدفع كرواتب لأسر الشهداء والأسرى.