ما يفتأ الإسرائيليون يتحدثون بين حين وآخر عن أهمية وضرورة وخطورة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و(إسرائيل)، ولا يتورعون في حديثهم عن ذكر معطيات وإحصائيات مذهلة، تذكر الفلسطينيين كم أنهم يطعنون في خاصراتهم على مدار الساعة، وهم يحاولون الانعتاق من هذا الاحتلال الجاثم على صدورهم!
آخر هذه الاعترافات الإسرائيلية جاء على لسان الجنرال الإسرائيلي عيران نيف، قائد فرقة الضفة الغربية في الجيش الإسرائيلي، الذي أنهى مهامه في الأيام الأخيرة، وهو يفاخر بالقول إن "مستوى التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية بلغ مستويات غير مسبوقة، رغم أن الإطراءات الإسرائيلية العلنية لأجهزة السلطة ستعرض كبار الشخصيات فيها كمتعاونين، ما سيحرجهم بين الفلسطينيين".
هذا الحديث، تضاف إليه تسريبات إسرائيلية، سياسية وأمنية، تطالب بالحفاظ على مسألة التنسيق الأمني، لأنهم دونه سيكونون معرضين لزيادة كبيرة في العمليات الفدائية في الضفة الغربية، على اعتبار أن الهدوء الأمني النسبي في الضفة الغربية يستند لأركان عدة من بينها استقرار السلطة الفلسطينية، ورغبة الجيش بضمان استقرارها حتى إشعار آخر.
لم يعد سراً أن تراجع عدد العمليات الفلسطينية المسلحة في العام الجاري عن السنوات الماضية؛ يعود إلى جملة من الأسباب لعل أهمها زيادة معدلات التنسيق الأمني، بجانب تحسين أداء القوات الإسرائيلية في الميدان، والجنود المنتشرين في الحواجز والدوريات العسكرية، بعد أن تكبدوا خسائر باهظة في جنودهم بسبب عمليات الدعس.
مخجل القول، بل محزن، أن يعلن الجيش الإسرائيلي أنه بفضل هذا التنسيق الأمني وضع يده على عبوة ناسفة بوزن 100 كغم في جنين، وكشف خلايا مسلحة في نابلس والخليل أنشأت مختبرا للعبوات الناسفة، وخططت لإرسال استشهاديين، وأحبط أكثر من 200 هجوم مسلح، واعتقل ثلاثة آلاف فلسطيني شاركوا بهجمات مسلحة.
بفضل التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و(إسرائيل) كان في السابق حل لغز عملية مسلحة، واعتقال منفذيها يستغرقان أسبوعاً، أما اليوم فقد انخفض الزمن إلى يومين وثلاثة أيام فقط، بفضل تحسين عمل الاستخبارات، والاعتماد المتزايد على التكنولوجيا، وتوثيق المسلحين بالكاميرات المنتشرة، ما يجعل الطريق إليهم قصيرة.
أخيراً.. يكتسب التنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي خطورته في منطقة جغرافية حساسة مثل الضفة الغربية، حيث تضم أربعمئة ألف مستوطن إسرائيلي محتل، وقرابة ثلاثة ملايين فلسطيني، وتبدو من أكثر المناطق تعقيدا وصعوبة، في ظل ما تعايشه من محاولات حثيثة لقوى المقاومة في تنفيذ الهجمات المسلحة، التي انتقلت من الطعن بالسكاكين عبر عمليات فردية، إلى الخلايا المنظمة المدربة التي نفذت عمليات مخططا لها جيدا.