فلسطين أون لاين

​حين يكون بديل "المصالحة" انتخابات!

...
أحمد اللبابيدي

لم يعد غريبًا على الفلسطينيين أن يكون مقابل أي خطوة من شأنها تقريب وجهات النظر بين قطبي الانقسام "حماس" و"فتح"؛ انتكاسة تعيدهم إلى مربع "التشاؤم" الأول، وإلى الحقيقة المرة أنه لا أمل في تجاوز الفرقاء خلافاتهم السياسية على الأقل في الوقت القريب.

آخر هذه الانتكاسات تمثلت في رفض حركة "فتح" مبادرة ثمانية فصائل فلسطينية أعلنتها قبل أيام، لإتمام المصالحة وتوحيد الصف وترميم آثار خلاف سياسي "لا مسوغ له" استمر "اثني عشر" عامًا، في الوقت الذي أعلنت فيه حركة "حماس" الموافقة على المبادرة دون شروط، الأمر الذي لم يشفع لها عند قيادة "فتح" والسلطة في رام الله، بل زاد موقفهم تعنتًا وإصرارًا على الرفض.

المبادرة الفصائلية تضمنت إجراء انتخابات شاملة تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطني في منتصف عام 2020م، بعد تنفيذ سلسلة من الإجراءات التي تكفل توفير أجواء إيجابية مريحة لإجراء الانتخابات في كل من القدس والضفة المحتلتين وقطاع غزة، لكن "فتح" قد قفزت خطوة إلى الأمام وقطعت الطريق على المبادرة بإعلان الرئيس محمود عباس نيته إصدار مرسوم رئاسي لإجراء الانتخابات العامة للخروج من مأزق الانقسام، ما يزيد المشهد الفلسطيني الداخلي تعقيدًا، مع عدم معالجة آثار الانقسام السياسي الذي حدث في أصله نتيجة عدم قبول نتائج الانتخابات التشريعية عام 2006م، ولا تزال عواقب ذلك مستمرة، ما يجعل إجراءها مسألة معقدة لا يمكن تصورها، الأمر الذي أُثبت بعين التجربة، أن إجراء الانتخابات العامة في هذه الأجواء المشحونة سياسيًّا وعدم ثقة كل طرف بالآخر لن يكون حلًّا للخروج من المأزق الداخلي، بل على العكس من ذلك، فإنها ستزيد الفلسطينيين فوق انقسامهم انقسامًا، وستعمق الشرخ بين صفوفهم أكثر، فبدلًا من أن تكون الانتخابات حلًّا للخروج من حالة التشنج الداخلي ستكون وبالًا بما لا شك فيه على الفلسطينيين، مع إمكانية التنبؤ برفض "حماس" والفصائل إجراءها في القطاع، الأمر الذي سيعزز فرص الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، إذا ما أصرّ عباس على إجراء الانتخابات في الضفة وحدها، إذا ما سّلمنا برفض الاحتلال إجراءها أيضًا في القدس المحتلة، الأمر الذي قد يكون مقدمة لإعلان غزة إقليمًا متمردًا خارجًا عن إرادة الشرعية الفلسطينية ومؤسساتها، وهو ما له انعكاساته السياسية والاقتصادية وغيرها على قطاع غزة الذي يعاني حصارًا قاتلًا من الاحتلال الاسرائيلي منذ عام 2007م، زادت وطأته مع استمرار الإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة عليه منذ الثلث الأول من عام 2017م، والمستمرة حتى الآن، وتمرد غزة في المحصلة يعني تخلي السلطة رسميًّا عن التزاماتها تجاه القطاع بشكل كامل، ورفع يدها، وهو ما سيطال قطاعات مختلفة كالكهرباء والمياه والصحة والتعليم والاقتصاد والرواتب، إضافة إلى قطاع البنوك وغيره، الأمر الذي لن تحمد عقباه.

وأمام سوء تفضيل خيار إجراء الانتخابات على الولوج في مصالحة حقيقية تنهي سنوات عجاف من الانقسام بين غزة والضفة كما أشرنا سابقًا، يبقى أمام الفلسطينيين خيار وحيد من شأنه أن يلم شعثهم ويوحد صفهم بالإقدام على المصالحة بعيدًا عن أي ضغوط أو تأثيرات خارجية، فاختلاف البرامج السياسية والرؤى التحررية يمكن تجاوزه بما اتفق عليه في حوارات المصالحة المتتابعة منذ عام 2007 حتى اتفاق الشاطئ عام 2017، الذي تعطل تحت سياط "تمكين الحكومة للعمل في قطاع غزة".