د. عدنان أبو عامر
في قراءة جديدة للمواقف الفلسطينية من نتائج الانتخابات الإسرائيلية تتناول السطور التالية رؤية حركة حماس، التي أبدت ما يمكن وصفه تدخلاً ضمنياً في الانتخابات الإسرائيلية، وإن لم تعلنه صراحة، من خلال التوصل إلى تفاهمات أمنية وإنسانية مع إسرائيل.
وفرت هذه التفاهمات بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، بوساطة مصرية قطرية أممية، هدوءا أمنياً نسبيا في غزة، وسمح للناخبين الإسرائيليين بممارسة انتخاباتهم دون غبار الصواريخ وأصوات القذائف، مما حمل رسائل ضمنية للإسرائيليين أن نتنياهو، الذي يحب أن يلقب نفسه بـ"سيد الأمن" جدير بالانتخاب مجدداً، وأن يكون رئيس حكومتهم للمرة الخامسة.
هناك يمكن القول إن مخاوف السلطة الفلسطينية من فوز نتنياهو خصوصاً، ومعسكر اليمين عموماً، مشروعة ومنطقية، ولديها ألف تفسير وتبرير، لأنها تعني الإجهاز على ما تبقّى من مشروع التسوية الذي تتمسك به السلطة ورئيسها، ولم تدع لنفسها خط رجعة للمناورة مع خيارات أخرى، ما جعلها تضع كل بيضها في سلة إسرائيل.
وفي الوقت ذاته، فإن هذا لا يعني أن حماس تفضل نتنياهو على خصومه الجنرالات، لكن التغذية الراجعة التي توفرت لدى الحركة في السنوات الماضية تعطيها استخلاصات مفادها أن "عدواً تعرفه خير من مجهول جديد لم تجربه"، فقد أبرمت حماس مع نتنياهو صفقة تبادل أسرى كبيرة في 2011، وتعوّل الحركة أن تبرم صفقة جديدة برئاسته لإغلاق هذا الملف المستنزف للجانبين.
كما تفهم الحركة، أن نتنياهو يقدس الأمر الواقع ضمن سياساته العامة، ما يعني أنه قد يسمح لحماس بالبقاء مسيطرة على قطاع غزة، دون التفكير في تطلعات بعيدة ومكلفة كأن يسعى للقضاء عليها، أو استئصالها، أو الإطاحة بها، وإعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، وهو ما ألمح إليه بعض خصومه في حزب الجنرالات، سعياً منهم لاستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.
أما بالنسبة لبيني غانتس زعيم حزب أرزق-أبيض، الذي حصل على مقاعد أكثر من الليكود، فإن حماس تذكره قائدا لعدوان 2014، واغتال قائدها العسكري أحمد الجعبري في 2012، وقد يذهب لشن عملية عسكرية جديدة، وتكون يده رخوة على الزناد، فضلا عن شركائه في قيادة الحزب أمثال موشيه يعلون وغابي أشكنازي ويائير لابيد، فهم يبدون بالنسبة لحماس أكثر خطورة، فلديهم تطلعات يمينية، وقد يقومون بالعودة مجددا لاغتيال قادة الحركة.
إن المتابعة الفلسطينية بشقيها، السلطة الفلسطينية وحماس، لنتائج الانتخابات الإسرائيلية تؤكد أننا لسنا أمام شأن إسرائيلي داخلي، بل شأن خارجي، يمس المنطقة بشكل مباشر، لذلك لا عجب أن تكون هذه الأطراف أكثر من غيرها متابعة لنتائج الانتخابات الإسرائيلية، وترقباً لعملية تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، في ظل ما تتمتع به إسرائيل من نفوذ وتأثير كبيرين يتجاوزان حدودها الجغرافية.