صحفيان فلسطينيان كان يمارسان عملهما المهني المكفول بالقانون الدولي، لإيصال الحقيقة، ارتدى كل منهما خوذة ودرعًا يدلان على ذلك بوضوح، لكن على الأرض لم يسلما من رصاص الاحتلال الإسرائيلي الذي قتلهما.

إنهما الصحفيان الشهيدان ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين اللذان باتا رمزين صحفيين، وطافت حكايتهما قلوب الفلسطينيين، لكن هل كانت حالة التضامن على المستوى العربي والدولي مع عائلتيهما وقضيتهما ترقى إلى مستوى جريمة قتلهما أم لا؟، وهل ترجم التضامن إلى خطوات عملية لمحاسبة جيش الاحتلال؟

واستشهد مرتجى في السابع من نيسان (إبريل) 2018م، في أثناء تغطيته أحداث مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار السلمية، بعد أن أصابته رصاصة متفجرة بالبطن شرق مدينة غزة، وفي 13 من الشهر ذاته ارتكب الاحتلال جريمة جديدة، وقتلت قناصته الصحفي أبو حسين في أثناء توثيقه أحداث المسيرة شمال قطاع غزة.

وندد الرأي العام الفلسطيني بالجريمتين، فخرجت جنازة تشييع لمرتجى وأخرى لأبو حسين شارك فيهما الآلاف من المواطنين، تضامنًا مع عائلتيهما وقضيتهما، وغضبًا من استهداف الصحفيين.

ولم تتوقف حالة التضامن المحلي عند حدود جنازة التشييع، بل عقدت لقاءات وندوات وورش عمل ووقفات احتجاجية، هدفت لإبقاء قضية استهداف الصحفيين حيّة، وفي جانب آخر من التضامن كانت عائلتا الشهيدين على منصات التكريم تعبيرًا عن حالة تضامن معهما، وأن ابنيهما أصبحا أيقونتين للإعلام الفلسطيني.

ووظف رواد مواقع التواصل الاجتماعي الفلسطيني والعربي أقلامهم، في التعبير عن حزنهم على استشهاد الصحفيين.

حلم لا يموت

حلم ياسر أن يسافر خارج مدينته المحاصرة، لكنه رسم صورة مميزة لهذا السفر، أحب أن ينقل إلى العالم أنه من شعب يحب الحياة، والأمل، غادر قبل نحو عام ونصف وبقيت سيرته تذكر الجميع بإنسانيته ومواقفه الحية التي لم تمت.

أما أبو حسين فالتقط صورة لأحد المسعفين الذين ينقلون الإصابات، وكانت هذه آخر صورة على كاميرته، تراجع خطوات إلى الوراء وبدأ يعاين الصورة وينظر إليها على شاشة العرض في الكاميرا، لكن طلقة من قناص محتل اخترقت جسده من منطقة طرف الجسم، وهي المنطقة الضعيفة من الدرع الصحفي، كان يوثق القصص الإنسانية فأصبح هو القصة.

"قضية ياسر أصبحت قضية عالمية وليست محلية؛ لأن استشهاد أخي يعبر عن حالة وقصة إنسانية، وصحفي حر يمثل الشباب" يبدأ معتصم شقيق الشهيد مرتجى حديثه إلى صحيفة "فلسطين".

ويقول معتصم: "كانت هناك حالة تضامن كبيرة خاصة بغزة، أثرت فينا تأثيرًا قويًّا، كثيرون شاركوا في جنازته من أصدقائه والصحفيين، فقد كان شخصًا معروفًا ويمثل لهم شيئًا كبيرًا، ويعاملهم على أنهم فريق عمل لا زملاء مهنة فقط".

تنوعت أشكال التضامن مع قضية ياسر، كما يقول شقيقه، من إنتاج مشاهد مرئية توثق جريمة اغتياله، وتأسيس مجموعة من أصدقائه فريق "سفراء الحياة"، الذي نظم عدة فعاليات ومؤتمرات تسلط الضوء على جريمة استهداف ياسر.

وهناك من تضامن بالعمل الخيري بتكفل الطفلة بيسان ضاهر، التي أنتج عنها ياسر فيلمًا وثائقيًّا وكان دائم الاهتمام بها، بعد أن فقدت جميع أفراد أسرتها خلال عدوان الاحتلال على غزة سنة 2014م، وفق حديث معتصم.

كيف انعكس هذا التضامن على أهل الشهيد ياسر؟، يحيب أخوه: "أظهر حالة تكافل، هذا طمأننا في لحظة كنا فيها نفتقد شخصًا وأخًا عزيزًا يرحل عنا".

ويدعو معتصم مؤسسات حقوق الإنسان إلى بذل المزيد من الجهود لمساندة الصحفيين، وفضح جرائم الاحتلال بحق الصحفيين، للضغط عليه وإلزامه بوقف جرائمه، معبرًا عن أمله بأن تفضي الدعاوى القانونية المرفوعة دوليًّا إلى محاسبة الاحتلال.

التضامن العربي والدولي

علاء أبو حسين خال الشهيد أحمد يقول من ناحيته: "إن التضامن المحلي مع قضية أحمد وذويه كان واضحًا وكبيرًا من جميع فئات الشعب الفلسطيني بقطاع غزة والضفة الغربية وفلسطين المحتلة سنة 1948م (...) كثيرون تواصلوا معنا، حتى بعد انتهاء مدة العزاء ومرور أكثر من عام على استشهاده ما زالت أطر صحفية كل مدة وفي مناسبات عدة تدعونا للمشاركة وتكريم الشهيد".

لكن أبو حسين يقول لصحيفة "فلسطين": "إن العائلة لم تلمس تضامنًا عربيًّا ودوليًّا يرتقي إلى مستوى آمالها، وحجم جريمة الاحتلال".

ويوافق 26 أيلول (سبتمبر) من كل عام اليوم العالمي للتضامن مع الصحفي الفلسطيني، الذي أقره الاتحاد الدولي للصحفيين إثر أحداث هبة النفق في عام 1996م، التي أصيب خلالها عشرات الصحفيين الفلسطينيين، خلال نقلهم صور انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الإنسان، وقواعد القانون الدولي الإنساني في تعامله مع المواطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويتابع خال الشهيد الذي تولى رعايته منذ صغره: "إن مؤسسات حقوق الإنسان العاملة بفلسطين حصلت على توكيلات من العائلة لرفع قضية على الاحتلال"، معربًا عن أمله في أن تلمس العائلة نتيجة لذلك.

من جهتها تقول المتحدثة باسم المرصد الأورو المتوسطي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ندى نبيل: "بعد أن طال الصحفيين أبو حسين ومرتجى انتهاك ورصاص إسرائيليان أديا إلى استشهادهما، غطت الصحافة الإقليمية والدولية الحدث بكثافة، ونال تغطية عالمية، لكن التغطية استمرت خلال مدة محددة، أي وقت وقوع الحدث".

وتعبر نبيل في حديث إلى صحيفة "فلسطين" عن أسفها على كون هذه التغطية تشمل حالة أو حالتين، في حين تتجاهل وسائل إعلام عالمية عشرات الحالات من الصحفيين الذين طالتهم انتهاكات ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي.

وتتابع: "جميعنا شاهد انتهاكات الاحتلال بحق الكثير من الصحفيين الفلسطينيين ولم يذكروا (في الإعلام الدولي)، وما لاحظناه في قضية استشهاد مرتجى وأبو حسين أن القضية خفتت من على أجندة الصحافة العالمية بعد مدة زمنية من وقع الحدث".

(إسرائيل) -بحسب حديث نبيل- لكونها قوة احتلال تعول على ألا تبقى القضايا الفلسطينية حاضرة على أجندة الصحافة العالمية.

أما على صعيد منظمات حقوق الإنسان بفلسطين فتبين نبيل أن هذه المنظمات كافة غطت القضية تغطية واسعة، لكون (إسرائيل) اعتدت على الصحفيين في أثناء عملهما، وهذا أمر محرم بموجب اتفاقيات جنيف، وهناك من أرسل شكاوى وأصدر بيانات وتقارير حقوقية وخطابات عاجلة لمقرري حقوق الإنسان وحرية التعبير بالأمم المتحدة.

لكنها تضيف: "حينما نقدم شكوى لمقرري الأمم المتحدة نادرًا ما يتعاطى معها ويرد عليها، لكن ما يؤخذ في الحسبان أننا نوثق هذه الانتهاكات ضمن تقرير سنوي شامل مفصل يرفع إلى المقرر الخاص بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية بالأمم المتحدة"، ما يظهر عدم تعاطي المؤسسات الأممية مع القضية.

وتختم حديثها بالقول: "إن عدم التصرف السريع من المؤسسات الأممية، وعدم الرد على الشكاوى يعطيان ضوءًا أخضر لـ(إسرائيل) لممارسة المزيد من الانتهاكات".