أحاطت الظروف القاسية بالسيدة أم محمود المقيد (53 عامًا) من كل جانب، حتى جعلتها عاجزة عن التفكير في ما الذي يمكنها فعله، وإلى أين ومع من تتواصل لتوفير أبسط احتياجات أسرتها، في ظل غياب المعيل. لتكون مثالًا حيًا على معاناة مستحقي الشؤون الاجتماعية الذين حُجبت مستحقاتهم من قبل السلطة في رام الله منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة.
ولم يكن الوضع الصعب الذي تعيشه عائلة المقيد يحتمل قطع المخصصات المالية، خاصة في ظل الأهوال التي مر بها قطاع غزة، والتي انتهت بالعائلة إلى العيش في العراء بعد التعرض للنزوح القسري عدة مرات، وصولًا إلى فقدان منزلها في مخيم جباليا.
تقول أم محمود بأسى لصحيفة "فلسطين": "نحن أصلًا من منتفعي الشؤون الاجتماعية، وكنا نتدبر أمور معيشتنا بأقل القليل اعتمادًا على ما نحصل عليه من مخصصات، أما الآن فلا مخصصات ولا بيت، مع نزوح وغلاء فاحش وغياب المعيل، لكم أن تتخيلوا صعوبة الحال".
وتوضح أن زوجها مريض بجلطة قبل اندلاع الحرب، وهو مهدد بفقدان بصره نتيجة عدم تلقيه العلاج، حيث يضعف بصره تدريجيًا، وتقول: "لا أملك القدرة المادية للتحرك لعلاجه، فلا أستطيع حتى توفير ثمن المواصلات للوصول إلى الطبيب".
أما الابن الأكبر محمود، فهو من ذوي الإعاقة من الصم والبكم، ويعاني أيضًا من مشاكل في البصر والاستيعاب، ما يجعله عاجزًا عن العمل أو إعالة الأسرة.
وتضيف أن ابنها الثاني محمد (31 عامًا)، الذي كان يعمل حكيمًا في وزارة الصحة بغزة، اعتقله الاحتلال الإسرائيلي على أحد الحواجز أثناء النزوح منذ أكثر من عام، قائلة: "ترك وراءه طفلين، أحدهما أنجبته زوجته بعد اعتقاله، ليزيد ذلك من الأعباء الملقاة على عاتقي".
وأم محمود هي أم لخمس فتيات، أكبرهن أرملة وأم لطفلة شهيدة، وتقول: "توفي زوج ابنتي قبل ست سنوات بعد إصابته بمرض السرطان، وترك لها طفلتين، استشهدت إحداهما في بداية الحرب جراء قصف إسرائيلي استهدف المدرسة التي كانت نازحة فيها".
وتتابع: "أنا أعيل الآن ابنتي وحفيدتي التي تبلغ من العمر أربع سنوات، ولا تستفيد من أي مؤسسة أو كفالة، لأن والدها ليس من شهداء الحرب".
وتشير إلى أن لديها ابنتين من الصم والبكم لا تدرسان ولا تعملان، مضيفة بأسى: "العبء كبير، فلا أستطيع إرسال ابنتيّ إلى أي مكان لأنهما لا تستطيعان التعامل مع الآخرين".
أما ابنتها ملك، فهي طالبة في الثانوية العامة – الفرع العلمي، وتطمح للحصول على معدل مرتفع يؤهلها لدخول الجامعة رغم الظروف القاسية.
وتقول والدتها: "تسير ابنتي ثلاث ساعات على الأقدام، لثلاثة أيام في الأسبوع، لتلقي دروسها في إحدى مدارس النصيرات الثانوية حتى تتمكن من فهم المنهاج".
وتضيف: "ابنتي تعاني كثيرًا، فأنا غير قادرة على توفير القرطاسية أو الكتب أو المواصلات أو حتى مصروف بسيط لها، ولا أستطيع توفير إضاءة للدراسة داخل الخيمة ليلًا".
ويعتصر القلق قلب المقيد على مستقبل تعليم طفلتها الصغرى، التي يُفترض أن تكون في الصف الرابع هذا العام، لكنها تعاني من فاقد تعليمي كبير كغيرها من أطفال قطاع غزة، وتقول: "لا أستطيع إلحاقها بأي مركز خاص لتعويض هذا الفاقد".
وتؤكد أن الكلمات تعجز عن وصف معاناتها، إذ إنها غير قادرة على توفير أدنى مقومات الحياة، خاصة أنها لا تقيم في مخيم رسمي مدعوم، مضيفة: "أنا بعيدة عن منزلي ومنطقتي، ولا أملك ثمن المواصلات للعودة إلى الشمال، وفي الوقت نفسه لا أستفيد من أي مساعدات لكوني خارج المخيمات الرسمية".
وتختم بالقول: "لا أملك حتى خيمة حقيقية، فخيمتي عبارة عن تجميع أقمشة مختلفة لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، وقد غرقنا خلال المنخفض الأخير وغرقت أغراضي التي جمعتها بشق الأنفس".
وتناشد أم محمود أهل الخير والمبادرين والجمعيات الخيرية النظر إلى وضعها الإنساني، ومساعدتها سواء بنقلها إلى مخيم رسمي، أو توفير العلاج لزوجها، أو كفالة حفيدتها اليتيمة، أو تأمين مستلزمات الدراسة لابنتها لتحقيق حلمها بالحصول على معدل مرتفع في الثانوية العامة.

