من خلال المقالة السابقة أبرزنا أن كثيرا من الأحداث نمر عليها كأنها أمر طبيعي ونقرأها بقراءتنا القاصرة السريعة ، لكن هذه الأحداث قد يكون لها قراءة أخرى في عالم الغيب ، فالكون كله مربوب لله ، ولا شيء فيه يقع إلا لحكمة قد ندركها وقد تخفى علينا .. وكثير من الأحداث التي نراها طبيعية قد يكون وراءها جنود تقوم بمهمة خاصة تخفى علينا ... فهذا ما تعلمناه من القرآن الكريم الذي ابتدأ بكلمة اقرأ ..
لذا نحن كمسلمين لابد أن ننتبه لرسائل السماء لنا، ولا بد أن نتعاطى حتى مع الأحداث الطبيعية بنوع من الشفافية التي تخترق ما ورائية الحدث لتقرأ رسالة الغيب المختبئة خلفه ... فأحيانا يكون مع المطر رسالة ربانية ومع الريح رسالة أخرى ومع الجراد رسالة .. وما يعلم جنود ربك إلا هو ..
على سبيل المثال : في عصر فرعون حصلت بعض الأحداث الطبيعية، لكن القرآن لم يتعامل معها على أنها أحداث طبيعية، بل ذكرها على أنها آيات بينات من الله لأمة من الأمم ولولا وجود نبي يقرأ لهم الحدث قراءة غيبية لاعتبروها أنها أمر طبيعي أصابهم .. يقول الله سبحانه وتعالى : ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (133) [ الأعراف ]
هذه أحداث طبيعية نراها يومياً في كثير من البلاد ، لكنها هنا لأن الغيب كشف سرها تبين لنا أنها آيات من ربك ، وهذه الأحداث هي من جنود ربك وما يعلم جنود ربك إلا هو ... طوفان يعني سيول مائية .. جراد قمل ضفادع .. كلها أمور طبيعة تتكرر أمامنا في أكثر البلاد ... لكنها جاءت كرسائل ربانية لعل أهلها يتعظون ...
على سبيل المثال : نلحظ هنا في الآيات أن السيول والطوفان أعقبه مباشرة الجراد ... هذا التلازم كان ضمن آيات ربانية .. هذا التلازم نفسه رأيناه قبل أيام في بلاد المسلمين في جزيرة العرب حيث مباشرة جاء بعد السيول الجارفة القوية مباشرة الجراد الصحراوي بطريقة ملفتة .. وعلى نفس نسق الآية والتلازم بين الأمرين ... فهل هي رسالة ما من السماء .. الكل طبعاً سيقول كما تصورنا من مقالة أبي سفيان أنه أمر طبيعي لا غرابة فيه ..
بعد هذه الأحداث الغريبة المتلازمة جاءنا الصرصور بكميات كبيرة ، وخرج الكثيرون ليقولوا لنا : هذا أمر طبيعي لأنه مع بداية الربيع أو بعد الأمطار تتحرك مثل هذه الصراصير كما يقولون ، وأنا أقول أمر طبيعي أيضاً فهذا ما يسعفني فيه الحس والعقل ، لكن توقيته وطبيعة المكان المقصود وسياقه ضمن آية السيول والجراد في ذات السنة وضمن أوضاع خاصة ألا يحتمل قراءة أخرى .. ثم أليس هذا الصرصور مأمور .. فلماذا ساقه الأمر لعقر بيت الله الحرام .. ما هي الرسالة ؟ وكيف نفهمها ، أم هي شيء عابر كما نظن .
علمنا القرآن الكريم أن كل شيء له في توقيته والجهة المستهدفة به وطبيعته دلالات ومغازي يجب التعاطي معها بجدية وإلا نكون ممن لا يفهم عن الله رسائله .. ومن تتبع حال الصحابة والرسول الأعظم يجد أنهم كانوا يتعاملون مع الريح أو الهزات الأرضية أو الجراد بجدية ويفهمون منها رسائل من الله .. ومن يراجع سيرة عمر بن الخطاب يجد كثير من القصص المرشدة لذلك ، وفي عهد النبي عليه السلام كان هبوب ريح كفيل يتغيير وجه النبي عليه السلام ... المطلوب منا ان نحمل قلوباً حية في التعاطي مع الأحداث كما كان الرعيل الأول في فهمهم لرسائل الله ... نحتاج بقوة على الأقل أن نفهم مراد الله من قوله : اقرأ باسم ربك .. لنفهم دائرة الغيب ... ونفهم مراد الله من قوله : اقرأ وربك الأكرم .. لنفهم دائرة الحس والعقل بطريقة منسجمة مع دائرة الوحي إنهما قراءتان معهما تستطيع فهم الوجود من جهة ، وتكون مؤهلاً للفهم عن الله من جهة أخرى ..