تقدير موقف
يوم أوصى النوّاب العرب بتكليف غانتس لتشكيل الحكومة الإسرائيلية
د. عدنان أبو عامر
تحققت المفاجأة، وأعلنت القائمة المشتركة توصيتها بتكليف بيني غانتس زعيم حزب أزرق-أبيض بتشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة، بعد نقاشات مستفيضة وتبادل آراء واسع بين مكونات القائمة، فجاء قرارها سابقة تاريخية في السلوك السياسي العربي الفلسطيني داخل (إسرائيل).
أظهر قرار القائمة المشتركة وجهات نظر مختلفة بين مؤيد ومعارض، واستعراض لسلبياته وإيجابياته، مما يفسح المجال لطرح تساؤلات عن مبررات القائمة في ترشيح غانتس، وكيف يسوغون أن يسجل التاريخ أن نوابًا عرباً رشحوا جنرالًا إسرائيليًا قاتلا لترؤس الحكومة الإسرائيلية؟ وماذا سيكون موقفهم في حال أقدم الحزب على مهاجمة غزة؟ وهل يحصل انشقاق في القائمة بعد هذا القرار التاريخي غير المسبوق؟
للتذكير فقط، فنحن أمام الحالة الثانية التي تقدم فيها أحزاب عربية على دعم مرشح إسرائيلي لتشكيل حكومته، المرة الأولى في عام 1992، حين دعم نواب عرب في الكنيست إسحق رابين زعيم حزب العمل، عشية التوقيع على اتفاقات أوسلو مع الفلسطينيين.
يبرر المدافعون عن القرار بأنه تنفيذ لوعد انتخابي يتمثل بإسقاط نتنياهو، لمنعه من الاستمرار بتنفيذ برنامجه اليميني بضم غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية، رغم أنهم لا يرون في غانتس حمامة سلام، لكن المفاضلة كما يبدو بين مرشح سيئ وأقل سوءا.
التوصية لغانتس بتشكيل الحكومة لا تعني منحه الثقة الفورية في الكنيست، فالتوصية بتكليف غانتس لتشكيل الحكومة القادمة لا يعني دعمها التلقائي، هناك فرق بين التوصية والتكليف بتشكيل الحكومة، وبين الموقف من الحكومة المشكلة فعلًا، ففي حال التزم بمطالب النواب العرب، فسوف يمثلون له كتلة مانعة تمنع سقوط حكومته، أما إن أخل بهذه الالتزامات فسيصبحون معارضة شرسة له.
ملاحظة مهمة وهي أن القرار الذي اتخذ داخل القائمة عقب نقاش مستفيض، وجد معارضة له من داخلها، ويبقى التحدي أمام القائمة بالحفاظ على وحدتها، فما يوحد العرب داخل فلسطين أكثر مما يفرقهم.
الرافضون للتوصية يرون أن غانتس ذو آراء يمينية، ويسعى لحكومة وحدة مع الليكود، ولا ينوي إلغاء قانون القومية، ويعلن (إسرائيل) وطنا قوميا لليهود فقط، مع أن القائمة ربما أرادت ضرب عصفورين بحجر واحد: إسقاط نتنياهو أولا، وثانيا إثبات قدرتها بأن تكون شريكا ولاعبا سياسيا داخل الحلبة الحزبية الإسرائيلية.
إن توصية القائمة المشتركة لغانتس بتشكيل الحكومة تطرح مخاوف من إمكانية حدوث انشقاق داخلها في ظل معارضة أحد مكوناتها للقرار، مما سيعيد حالة الشرذمة والتشظي إلى الحالة السياسية العربية داخل (إسرائيل)، وحينئذ، فلا غانتس شكل الحكومة بناء على التوصية بسبب اختلال موازين القوى لصالح اليمين المتطرف، ولا بقيت القائمة كتلة برلمانية موحدة، وهنا تكمن الخسارة المزدوجة!